للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المحال عليه شرطا فيها فصارت الحوالة هاهنا تَامَّةً بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي.

ثُمَّ إِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوَالَةِ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا مُتَقَدِّمًا فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِعَيْبِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْبَائِعِ فِي الْحَوَالَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: -

إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَبَضَ الْأَلْفَ مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا مِنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ بِرَدِّ الْعَبْدِ وَبَرِئَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا عَنْ أَمْرِ الْمَالِكِ، وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي إِذَا رَدَّ الْعَبْدَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِهَا لِأَنَّ رَدَّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ.

فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضِ الْحَوَالَةَ قَبْلَ رَدِّ الْمُشْتَرَى عليه العبد بالعيب، فقد قال المزني هاهنا فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ إِنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ بَطَلَتْ.

وَهَكَذَا قَالَ فِي حِكَايَةٍ شَاذَّةٍ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ جَامِعِهِ الْكَبِيرِ: الْحَوَالَةُ ثَابِتَةٌ لَا تُبْطِلُ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ طُرُقٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَوَالَةَ بَاطِلَةٌ، عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ، وَجُمْهُورِ النُّسَخِ مِنْ جَامِعِهِ الْكَبِيرِ فَإِنَّ مَنْ حَكَى عَنِ الْجَامِعِ صِحَّةَ الْحَوَالَةِ خَاطِئٌ فِي النَّقْلِ.

وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَمَّتْ بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَقَدِ اتَّفَقْنَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى إِبْطَالِ سَبَبِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَسِخَ الْبَيْعُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَكُونَ الْبَائِعُ عَلَى حَقِّهِ مِنَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّ الْحَوَالَةَ ثَابِتَةٌ لَا تَبْطُلُ عَلَى الْحِكَايَةِ الشَّاذَّةِ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَإِنَّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَطَأٌ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَهَذِهِ أَسْوَأُ الطُّرُقِ.

وَكَانَ مِنْ دَلِيلِهِ عَلَى صِحَّتِهَا مَعَ فَسَادِهَا بِالنَّقْلِ الصَّرِيحِ وَبُطْلَانِهَا بِالْحِجَاجِ الصَّحِيحِ أَنْ قَالَ أَخْذُ الْبَائِعِ بالثمن حوالة كأخذه بالثمن عوضا فَلَمَّا كَانَ إِذَا أَخَذَ بِالثَّمَنِ عِوَضًا أَوْ ثَوْبًا ثُمَّ تَرَادَّا بِعَيْبٍ لَمْ يَنْفَسِخْ مِلْكُ الْبَائِعِ عَنِ الْعِوَضِ الَّذِي أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ دُونَ الْعِوَضِ، كَذَلِكَ إِذَا أَخَذَ بِالثَّمَنِ حَوَالَةً لَمْ تَبْطُلِ الْحَوَالَةُ وَكَانَ عَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذكره إن أخذه بالثمن عوضا هو عقد بيع ثَانٍ فَلَمْ يَكُنْ فَسْخُ أَحَدِهِمَا مُوجِبًا لِفَسْخِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَخْذُ الْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَإِذَا انْفَسَخَ بَطَلَ مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ.

وَالطَّرِيقُ الثَّالِثَةُ: إِنَّ كِلَا النَّقْلَيْنِ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَوْضُوعُ الَّذِي أَبْطَلَ الْحَوَالَةَ إِذَا كَانَ رَدُّ الْعَبْدِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَعْدَ قَبْضِهَا قَدِ انْقَطَعَتْ عُلْقَتُهَا وَانْبَرَمَتْ وَلَمْ يَلْحَقْهَا الْفَسَادُ وَهِيَ قَبْلَ قَبْضِهَا مَوْقُوفَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>