للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا حِكَايَةُ حَالٍ مُحَرَّفَةٍ وَنَقْلُ قِصَّةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ. لِأَنَّ الصُّوَاعَ لَمْ يُفْقَدْ وَالْقَوْمَ لم يسرقوا.

وإذا كان موضوعا كَذِبًا كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا فَاسِدًا.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُنَادِي، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ يُوسُفُ، فَلَمَّا فُقِدَ الصُّوَاعُ ظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ سَرَقُوهُ فَنَادَى بِهَذَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ.

وَالثَّانِي: إنَّ يُوسُفَ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لِإِخْوَتِهِ فَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ إِلَى حَدِّ الْعُقُوبَةِ وَالتَّأْدِيبِ، ثُمَّ رَغَّبَ النَّاسَ فِيمَا بَذَلَهُ لَهُمْ، بِمَا قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ لُزُومُهُ وَوُجُوبُهُ لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى طِلْبَتِهِمْ، وَتَحْقِيقِ الْقَوْلِ عَلَيْهِمْ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِمْ.

وَالسُّؤَالُ الثَّانِي: إِنَّ الْآيَةَ تَنَاوَلَتْ ضَمَانَ مَالٍ مَجْهُولٍ، لِأَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ مَجْهُولٌ وَضَمَانُ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ كَانَ عِنْدَهُمْ عِبَارَةً عَنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالْوَسْقِ كَانَ مَوْضُوعًا لِحِمْلِ النَّاقَةِ ثُمَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جَوَازُ الضَّمَانِ.

وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ فِي الْقَدْرِ الْمَجْهُولِ، فَلَمَّا خَرَجَ بِالدَّلِيلِ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ كَانَ الْبَاقِي عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّنْزِيلُ.

وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ ضَمَانُ مَالِ الْجَعَالَةِ، وَضَمَانُ مَالِ الْجَعَالَةِ بَاطِلٌ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ: إِنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ ضَمَانِ مَالِ الْجَعَالَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ ضَمَانُهُ فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَعَلَى هَذَا لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِ ضَمَانِ مَالِ الْجَعَالَةِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِبَاقِي الْآيَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {سَلْهُمْ أيهم بذلك زعيم} [القلم: ٤٠] وهذا وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّحَدِّي فَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ وَالَزَّعِيمُ الضَّمِينُ وَكَذَلِكَ الْكَفِيلُ وَالْحَمِيلُ وَالصَّبِيرُ، وَمَعْنَى جَمِيعِهَا وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ، وَالزَّعِيمَ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ كان الضمان يصح بكل واحد منهما وَيَلْزَمُ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>