وَالْقِسْمُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَا لِأَحَدٍ فَمَنْ وَكَّلَهُمَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ بَاطِلَةً، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ الْوَكِيلُ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي جُنُونِ الْمُوَكِّلِ إِنِ اسْتَدَامَ بِهِ إِلَى حَالٍ يَصِيرُ مُوَلًّى عَلَيْهِ بَطَلَ تَوْكِيلُهُ، وَإِنْ أَفَاقَ مِنْهُ قَرِيبًا بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجَازَتْ عَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ وَهُمْ ضَرْبَانِ: -
أَحَدُهُمَا: مَنْ مُنِعَ التَّصَرُّفَ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالسَّفِيهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيمَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيمَا لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ عُقُودُهُ بِالسَّفَهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَانَ أَوْلَى أَنْ تَبْطُلَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ مَنَعَ مِنْ إِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ الْمَمْنُوعِ مِنَ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ لَا لِعَدَمِ رُشْدِهِ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فِيمَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَمَا لَا يَجُوزُ لِمَا فِي تَشَاغُلِهِ بِالْوَكَالَةِ فِي تَفْوِيتِ مَنَافِعِ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ جَازَ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِسَيِّدِهِ وَغَيْرِ سَيِّدِهِ. ثُمَّ لَا يَخْلُو مَا يُوَكَّلُ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْوِلَايَاتِ كَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَازَةِ، وَالدَّعْوَى وَالْمُخَاصَمَاتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ مَعَانِي الْوِلَايَاتِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُوَكِّلِ كَالْوِلَايَةِ عَلَى طِفْلٍ أَوْ فِي مَالِ يَتِيمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ فَإِنْ تَوَكَّلَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ صَحَّ وَإِنْ تَوَكَّلَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ فَلَوْ تَوَكَّلَ الْعَبْدُ فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِيهِ ثُمَّ بَاعَهُ السَّيِّدُ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ لِمَا قَدْ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ مَنَافِعِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ تَوَكَّلَ لِسَيِّدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ جَدَّدَ لَهُ الْمُشْتَرِي إِذْنًا بِالْوَكَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ إِذْنٍ مِنَ الْمُوَكِّلِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ إِذْنِهِ وَيَصِيرُ عَلَى وَكَالَتِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِذْنِ مُوَكِّلِهِ إِذَا جَدَّدَ لَهُ الْمُشْتَرِي إِذْنًا بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنَ الْوَكَالَةِ إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي فَارْتَفَعْ بِحُدُوثِ إِذْنِهِ وَحْدَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ بَطَلَتْ فَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِتَجْدِيدِ إِذْنٍ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ إِبْطَالَهَا قَدْ رَفَعَ أَسْبَابَهَا كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ إِذَا بَطَلَ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجَازَةِ حَتَّى يَبْتَدِئَ عَقْدًا صَحِيحًا.
فَأَمَّا إِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِسَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِ سَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا لِغَيْرِ سَيِّدِهِ لَمْ تَبْطُلِ الْوَكَالَةُ بِعِتْقِهِ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا لِسَيِّدِهِ فَفِي بُطْلَانِ الْوَكَالَةِ بِعِتْقِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَثْبُتُ وَكَالَةُ غَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute