للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يُعَيِّنَ الْعَبْدَ وَيُعَيِّنَ ثَمَنَهُ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يُعَيِّنَ الْعَبْدَ وَيُعَيِّنَ ثَمَنَهُ.

كَقَوْلِهِ اشْتَرِ لِي سَالِمًا بِمِائَةِ دينار. فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: -

أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِالْمِائَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا.

فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ لَكِنْ بِأَقَلَّ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ كَأَنِ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، صَحَّ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ. لِأَنَّ حُصُولَ الْعَبْدِ لَهُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَحَظُّ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ عَلَى زَيْدٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَاعَهُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي مُحَابَاتِهِ. فَمَثَلًا إِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَنْ لَا يَجُوزَ الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ وَكَّلَهُ فِي مُحَابَاتِهِ.

قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِذَا وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ بِالْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبْضِ الزِّيَادَةِ. وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَبْضُ مَا مُنِعَ مِنْ قَبْضِهِ. وَإِذَا وُكِّلَ فِي الشِّرَاءِ بِالْمِائَةِ جَازَ الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ وَدَفْعُ الْوَكِيلِ الْبَعْضَ جَائِزٌ وَإِنْ مَنَعَ الزِّيَادَةَ.

وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنَ الْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِصَلَاحِ نَفْسِهِ.

وَلَوْ قَالَ اشْتَرِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَا تَشْتَرِيهِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا جَازَ أن يشتريه بالمائة ربما بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِخَمْسِينَ لِلنَّهْيِ عَنْهَا. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْدُوبٌ إِلَى الِاسْتِرْخَاصِ إِلَّا مَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنَ الْقَدْرِ لِمَعْنًى هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ يَمِينٍ حَلَفَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْمِائَةِ لَمَّا دَخَلَ فِيهِ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْخَمْسِينَ دَاخِلًا فِيهِ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا.

فَهَذَا حُكْمُ الْعَبْدِ إِذَا اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنَ الْمِائَةِ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ من المائة كأن اشتراه بماية وَخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ وَقِيرَاطٍ، فَالشِّرَاءُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ بِعَيْنِ الْمَالِ. هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: الشِّرَاءُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي عُيِّنَ عَلَيْهَا وَالْوَكِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>