حيضٍ، وَمَاتَ رجلٌ وَلَمْ يَسَعْهُمُ الْمَاءُ كَانَ الْمَيِّتُ أَحَبَّهُمْ إِلَى أَنْ يَجُودُوا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ ويتيمم الحيان؛ لأنهما قد يقدرا عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَيِّتُ إِذَا دُفِنَ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى غُسْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ ماءٌ فَهُوَ أَحَقُّهُمْ بِهِ، فَإِنْ خَافُوا الْعَطَشَ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَأَدَّوْا ثَمَنَهُ فِي مِيرَاثِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: فِي ثَلَاثَةٍ جَمَعَهُمُ السَّفَرُ، وَلَزِمَهُمُ الْغُسْلُ وَهُمْ جُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمَيِّتٌ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَجِدُوا مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِمْ جَمِيعَهُمْ فَعَلَى الْحَيَّيْنِ أَنْ يُغَسِّلَا الْمَيِّتَ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا كَانَ فَرْضُ غُسْلِهِ عَلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً كَانَ فَرْضُ غُسْلِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ الْحَيَّانِ بَعْدَ غُسْلِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ قَدَّمَا غُسْلَ أَنْفُسِهِمَا جَازَ ثُمَّ يُصَلِّيَانِ عَلَى الميت ويدفناه.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَجِدُوا مِنَ الْمَاءِ شيئاً فعليهما أن يومما الْمَيِّتَ، وَيَتَيَمَّمَا لِأَنْفُسِهِمَا وَيُصَلِّيَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَيَدْفِنَاهُ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجِدُوا مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ لَا غَيْرَ، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ بَلْ وَجَدُوهُ مُبَاحًا أَوْ دَفَعَهُ إِلَيْهِمْ إِنْسَانٌ وَقَالَ يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْمَاءَ أَحَدُكُمْ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَيِّتُ أَوْلَاهُمْ بِهِ، وَأَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ يَجُودُوا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ طَهَارَةَ الْمَيِّتِ هِيَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ، وَلَيْسَ يُقْدَرُ عَلَى غُسْلِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ، وَلَيْسَ طَهَارَةُ الْحَيَّيْنِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِمَا، وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِمَا.
وَالثَّانِي: بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَيِّتِ تطيباً لَا مَحَالَةَ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَطَهَارَةُ الْحَيِّ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُؤَدَّى بِالتَّيَمُّمِ كَأَدَائِهَا بِالْمَاءِ.
فَلَوْ كَانَ بِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ نَجَاسَةٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ صَاحِبِ النَّجَاسَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهَا خَاتِمَةُ أَمْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ صَاحِبَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى بِهِ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ مَعَ النَّجَاسَةِ لَا يُسْقِطُ تَيَمُّمَهُ، فَلَوْ أَنَّ الْوَاجِدَ لِلْمَاءِ جُنُبٌ وَحَائِضٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ طهارته بالنص.