أحدهما: أن قَوْلهُ فِي ادِّعَاءِ الْخِيَارِ مَقْبُولٌ وَإِقْرَارَهُ بِالضَّمَانِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَلٍ فِي كَلَامِهِ عُرْفًا فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ شَرَعَا كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَلِأَنَّهُ لما كانت صلة إقراره بمشيئة الله تعالى مقبولة فِي رَفْعِ الْإِقْرَارِ كَانَ صِلَتَهُ بِمَا يَصِلُ من حكمه من الخيار مقبولة فِي بُطْلَانِ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ إِقْرَارُهُ بِالْبَيْعِ إِذَا وَصَلَهُ بِصِفَةٍ يَبْطُلُ مَعَهَا مَقْبُولًا وَلَا يُجْعَلُ فِي الْبَيْعِ مُقِرًّا وَفِي الْفَسَادِ مُدَّعِيًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارُهُ بِالضَّمَانِ إِذَا وَصَلَهُ بِمَا يَبْطُلُ مَعَهُ مَقْبُولًا وَلَا يُبَعَّضُ إِقْرَارُهُ فَيُجْعَلُ فِي الضَّمَانِ مُقِرًّا وَفِي الْخِيَارِ مُدَّعِيًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ فِي ادِّعَاءِ الْخِيَارِ مَرْدُودٌ وَإِقْرَارَهُ بِالضَّمَانِ لَازِمٌ يَنْقُضُ إِقْرَارَهُ وَيَحْلِفُ لَهُ الْمُقَرُّ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ مُقَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَضُرُّهُ لَزِمَهُ وَمَنِ ادَّعَى مَا يَنْفَعُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَهُوَ فِي الضَّمَانِ مُقِرٌّ بِمَا يَضُرُّهُ وَفِي الْخِيَارِ مدع بمَا يَنْفَعُهُ، وَلِأَنَّهُ أَسْقَطَ أَوَّلَ كَلَامِهِ بِآخِرِهِ فَصَارَ كَاسْتِثْنَاءِ جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَبْعِيضِ الْإِقْرَارِ إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ إِيَّاهَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُبَعَّضُ إِقْرَارُهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَيُبَعَّضُ عَلَيْهِ إِقْرَارُهُ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَأَمَّا إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ إِلَى سَنَةٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَخَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْجِيلِ شَيْءٌ مِنَ الْإِقْرَارِ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أن القرائن والصلاة أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يُقْبَلُ فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِمَالٍ ثُمَّ يَقُولُ: مِنْ شَرِكَةٍ كَذَا، فَيُقْبَلُ مِنْهُ وَصْلٌ أَوْ فَصْلٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يُقْبَلُ فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَصْلٌ أَوْ فَصْلٌ لِفَسَادِهِ فِي الْكَلَامِ وَإِحَالَتِهِ فِي مَفْهُومِ الْخِطَابِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يُقْبَلُ فِي الِاتِّصَالِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الِانْفِصَالِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالنَّقْصِ وَالزَّيْفِ وَمَا لَا يَرْفَعُ جَمِيعَ الْإِقْرَارِ إِنْ وَصَلَ قُبِلَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُقْبَلْ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ وَاسْتِثْنَاءِ الْبَعْضِ؟ قِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْبَعْضِ مَسْمُوعٌ فِي الْكَلَامِ وَصَحِيحٌ فِي مَفْهُومِ الْخِطَابِ فَجَازَ وَاسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فِي كَلَامِهِمْ وَلَا يَصِحُّ فِي مَفْهُومِ خِطَابِهِمْ فَبَطَلَ لِإِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا صَحِيحًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute