فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدَ يَكُونُ بَيْنَ أَنْسَابِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَسِيطٌ وَاحِدٌ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَسِيطَانِ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ وَسَائِطَ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَى حُكْمِهِ بِمَا تَقَدَّمَ.
فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَسِيطٌ وَاحِدٌ فَكَالْإِخْوَةِ فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ إِخْوَتَهُ وَأَنَّهُ ابْنُ أَبِيهِمْ فَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شُرُوطِ دَعْوَى النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مَيِّتًا، ثُمَّ يَكُونُ لُحُوقُهُ مُعْتَبَرًا بِإِقْرَارِ وَرَثَةِ الْأَبِ كُلِّهِمْ. فَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ تَرَكَ ابْنًا وَاحِدًا فَصَدَّقَ الْمُدَّعي عَلَى نَسَبِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنَّ تَرْكَ ابْنَيْنِ فَصَدَّقَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ تَرَكَ أَبًا وَابْنًا فَاجْتَمَعَا عَلَى تَصْدِيقِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ تَرَكَ بِنْتًا وَأَخَا فَاجْتَمَعَا عَلَى تَصْدِيقِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأَخًا وَأُخْتًا، وَلَوْ تَرَكَ أَخَا وَاحِدًا فَصَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ لِأَنَّ الْأَخَ يَحُوزُ الْمِيرَاثَ وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا وَاحِدَةً فَصَدَّقَتْهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَرِثُ النِّصْفَ وَلَا تَحُوزُ الْمِيرَاثَ وَالْبَاقِيَ بَعْدَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْإِمَامُ مَعَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ نَافِذُ الْإِقْرَارِ فَصَارَ إِقْرَارُهُ مَعَ الْأُخْتِ إِقْرَارًا مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ.
وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَمْلِكُ حَقَّ بَيْتِ الْمَالِ فَيَثْبُتُ الْإِقْرَارُ وَلَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَحِقُّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيُرَاعَى إِقْرَارُهُمْ فِيهِ فَإِنْ كَانَ إِقْرَارُ الْإِمَامِ لِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عِنْدَهُ بِنَسَبِهِ فذلك حكم منه تثبت بِهِ النَّسَبُ وَلَا يُرَاعَى فِيهِ إِقْرَارُ الْأُخْتِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ قَامَتْ بِهِ فَإِقْرَارُهُ لَغْوٌ وَنَسَبُ الْمُدَّعِي غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَوْ كَانَ لِلْأُخْتِ وَلَاءُ عِتْقٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَقَرَّتْ بِالْمُدَّعِي ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّهَا تَحُوزُ الْمِيرَاثَ بِالْفَرْضِ وَالْوَلَاءِ.
وَهَكَذَا إِقْرَارُ الْبِنْتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ابْنٌ كَإِقْرَارِ الْأُخْتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَخٌ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تَحُوزُ الْمِيرَاثَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى الْأَبِ وَلَاءٌ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهَا لِأَنَّهَا تَحُوزُ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ بِالْفَرْضِ وَالْوَلَاءِ.
فَلَوْ كَانَ الْأَبُ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَصَدَّقَهُ الْمُسْلِمُ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ وَارِثٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إِقْرَارُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِي النَّسَبِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَلَوْ أَسْلَمَ الِابْنُ الْكَافِرُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي لَمْ يَنْتَفِ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثَ أَبِيهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ إِنْكَارُهُ.
وَلَوْ كَانَ الْأَبُ الْمَيِّتُ كَافِرًا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا فَصَدَّقَهُ الِابْنُ الْكَافِرُ ثَبَتَ نَسَبَهُ لِأَنَّهُ وَارِثُ أَبِيهِ وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُسْلِمُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ لِأَبِيهِ.
وَهَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا كَانَ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِإِقْرَارِ الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْحُرَّ وَارِثٌ وَالْعَبْدُ غَيْرُ وَارِثٍ، وَإِنْ عُتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُهُ وَلَا إِنْكَارُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا. فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ صَغِيرًا أَوْ مَعْتُوهًا فَأَقَرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ مِنْهُمَا بِنَسَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute