وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ النَّقْصُ قَدِ انْتَهَى لِحُدُوثِ نَقْصٍ آخَرَ بَعْدُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ من النقص الثاني محدود، فَلَيْسَ لَهُ إِبْدَالُ الزَّيْتِ بِغَيْرِهِ وَيَنْتَظِرُ حُدُوثَ نُقْصَانٍ فَيَرْجِعُ بِهِ، فَإِنْ تَلِفَ الزَّيْتُ قَبْلَ انْتِهَاءِ نُقْصَانِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا كَانَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنْ نَقْصٍ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ خَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ لَمْ يَثْغَرْ فَانْتَظَرَ بِهِ مَا يَكُونُ مِنْ نَبَاتِهَا أَوْ ذَهَابِهَا فَمَاتَ قَبْلَ مَعْرِفَتِهَا ففي استحقاق ديتها قولان يخرج منهما ها هنا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا أَرْشَ لَهُ لِعَدَمِ حُدُوثِهِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا فَطَالَبَ بِالْأَرْشِ مِثْلَ حُدُوثِ النَّقْصِ لَمْ يَكُنْ لَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْأَرْشُ لِلْعِلْمِ بِهِ لَوْ كَانَ بَاقِيًا فَطَالَبَ بِهِ قَبْلَ حُدُوثِ النَّقْصِ كَانَ لَهُ فَلَوْ لَمْ يَهْلِكِ الزَّيْتُ وَلَكِنْ بَاعَهُ قَبْلَ انْتِهَاءِ نُقْصَانِهِ فَإِنْ أَعْلَمَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ له بحدوث نقصه لعلمه بعينه وللمغصوب أَنْ يرْجعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِنَقْصِهِ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَلَيْهِ نَاقِصًا وَإِنْ لَمْ يُعْلِمِ الْمُشْتَرِيَ بِهِ فَلَهُ الرَّدُّ بِحُدُوثِ نَقْصِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَرَدَّهُ رَجَعَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِأَرْشِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ كَانَ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِأَرْشِ نَقْصِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ بِهِ لِأَنَّهُ بِالْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهِ سَلِيمًا قَدْ وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ بِمَثَابَةِ مَا لَمْ يَحْدُثْ بِهِ نَقْصٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ لضمانه له بالغصب. ولا يكون حدوث رضى المشتري به برأة لِلْغَاصِبِ مِنْهُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ الثَّانِي غَيْرَ مَحْدُودٍ ففيه وجهان:
أحدهما: أن للمغصوب إِنْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِمِثْلِهِ لِمَا فِي اسْتِيفَائِهِ إِلَى انْتِهَاءِ النَّقْصِ الْمَجْهُولِ مِنْ شِدَّةِ الْإِضْرَارِ. وَفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ لِأَنَّ دُخُولَ النَّقْصِ الْمَجْهُولِ عَلَى الْأَعْيَانِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَالِاسْتِهْلَاكِ فِي الْغُرْمِ. أَلَا تَرَاهُ لَوْ جَرَحَ عَبْدًا جَهِلْنَا مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ حَالَ جُرْحِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَالَبَ الْجَارِحُ بِالْقِيمَةِ فِي بَدَلِهِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ غَلْيُهُ بِالنَّارِ قَدْ نَقَصَ مِنْ مَكِيلَتِهِ وَقِيمَتِهِ مِثْلَ أَنْ تَعُودَ الْآصُعُ الْعَشَرَةُ إِلَى سَبْعَةٍ وَيَرْجِعُ قِيمَةُ كُلِّ صَاعٍ مِنَ السَّبْعَةِ إِلَى أَرْبَعَةٍ فَيَضْمَنُ النَّقْصَيْنِ نَقْصَ الْمَكِيلَةِ بِالْمِثْلِ، وَنَقْصَ الْقِيمَةِ بِالْأَرْشِ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ.