لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ، وَرَوَى أَبُو الْجَارُودِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ إِذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا، وَلَا يَنْزِلَ بِهِ وَادِيًا، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كبدٍ رطبةٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضامنٌ فَرَفَعَ شَرْطَهُ إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَجَازَهُ.
وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عبد الله وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِمَا فِي جَيْشِ الْعِرَاقِ وَقَدْ تَسَلَّفَا مِنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَالًا اشْتَرَيَا بِهِ مَتَاعًا فَرَبِحَا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ رِبْحًا كَثِيرًا فَقَالَ لَهُمَا عُمَرُ: أَكُلُّ الْجَيْشِ تَسَلَّفَ مِثْلَ هذا؟ فقال: لَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَأَنِّي بِكُمَا وَقَدْ قَالَ أَبُو مُوسَى إِنَّكُمَا ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، رُدَّا الْمَالَ وَالرِّبْحَ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ أَكُنَّا نُضَّمَنُهُ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ فَرِبْحُهُ لَنَا إِذَنْ، فَتَوَقَّفَ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي فِي مُشَاطَرَتِهِمَا عَلَى الرِّبْحِ كَمُشَاطَرَتِهِ فِي الْقِرَاضِ فَفَعَلَ.
وَعَلَى هَذَا الْأَثَرِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ لِاشْتِهَارِهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَهُ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ قَوْلُ الْجَلِيسِ لَوْ جَعَلْتَهُ قراضاً وإقرار عمر له صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ فَكَانَا مَعًا دَلِيلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاضِ، وَلَوْ عَلِمَ عُمَرُ فَسَادَهُ لَرَدَّ قَوْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَا فَعَلَهُ مَعَهُمَا قِرَاضًا لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا، وَلَكِنِ اسْتَطَابَا طَهَارَةَ أَنْفُسِهِمَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْ رِبْحِهِمَا لِاسْتِرَابَتِهِ بِالْحَالِ واتهامه أنا مُوسَى بِالْمَيْلِ لِأَنَّهُمَا ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَمْرُ الَّذِي يَنْفِرُ مِنْهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَتَأْبَاهُ طَبِيعَةُ الْإِسْلَامِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عُمَرَ أَجْرَى عَلَيْهِ فِي الرِّبْحِ حُكْمَ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لَهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَالِ عَقْدٌ يَصِحُّ حَمْلُهُمَا عَلَيْهِ فَأَخَذَ مِنْهُمَا جَمِيعَ الرِّبْحِ وَعَاوَضَهُمَا عَلَى الْعَمَلِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَقَدَّرَهُ بِنِصْفِ الرِّبْحِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِمَا أُجْرَةً، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْرَى عَلَيْهِمَا فِي الرِّبْحِ حُكْمَ الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَعَهُمَا عَقْدٌ لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فَاتَّسَعَ حُكْمُهُ عَنِ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ، فَلَمَّا رَأَى الْمَالَ لِغَيْرِهِمَا، وَالْعَمَلَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَرَهُمَا مُتَعَدِّيَيْنِ فِيهِ جَعَلَ ذَلِكَ عَقْدَ قراض صحيح،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute