عَلَى النَّوْعِ الَّذِي أُذِنَ فِيهِ، فَلَوْ أُذِنَ له أن يتجر في البر جاز أن يتجر في صنوف البر كُلِّهَا مِنَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَالْخَزِّ وَالصُّوفِ الْمَلْبُوسِ ثِيَابًا أَوْ جِبَابًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي الْبُسُطِ وَالْفُرُشِ،. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يتجر في الأكسية البركانية أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَلْبُوسَةً.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِخُرُوجِهَا عَنِ اسْمِ البر.
فَلَوْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي الطَّعَامِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَحْدَهَا دُونَ الدَّقِيقِ. وَقَالَ محمد بن الحسن يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِخُرُوجِ الدَّقِيقِ عُرْفًا عَنِ اسْمِ الطَّعَامِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنَ الْحِنْطَةِ لَجَازَ بِالْخُبْزِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْ هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ بِهِ فِي الْحِنْطَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ خُذْهُ وَاتَّجِرْ بِهِ فِي الْحِنْطَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ التِّجَارَةِ فِي الْحِنْطَةِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ قَالَ لَهُ خُذْهُ عَلَى أَنْ تَتَّجِرَ بِهِ فِي الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ خُذْهُ وَاتَّجِرْ بِهِ فِي الْحِنْطَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ فِي غَيْرِهَا جَازَ لِأَنَّهُ مَشُورَةٌ مِنْهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ غَيْرُ آذِنٍ فِيمَا سِوَى الْحِنْطَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يُوجَدُ وَقَدْ لَا يُوجَدُ كَإِذْنِهِ فِي أَنْ يَتَّجِرَ فِي الْعُودِ الرَّطْبِ أَوْ فِي الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ أَوْ فِي الْخَيْلِ الْبُلْقِ أَوْ فِي الْعَبِيدِ الْخِصْيَانِ فَالْقِرَاضُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ وَجَدَهُ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ مِنْ وُجُودِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَكَانٍ قَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِيهِ غَالِبًا فَيَجُوزُ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا يُوجَدُ فِي زَمَانٍ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ كَالثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ فَيَنْظُرُ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَوَانِ تِلْكَ الثِّمَارِ فَالْقِرَاضُ بَاطِلٌ، فَإِنْ جَاءَتْ تِلْكَ الثِّمَارُ مِنْ بَعْدُ لَمْ يَصِحَّ الْقِرَاضُ بَعْدَ فَسَادِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَانِ الثِّمَارِ وَإِبَانَتِهَا فَالْقِرَاضُ جَائِزٌ مَا كَانَتْ تِلْكَ الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً، فَإِنِ انْقَطَعَتْ فَفِي الْقِرَاضِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ الْقِرَاضُ بِانْقِطَاعِهَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَنْ يَتَّجِرَ بِهَا إِلَّا بِإِذْنٍ وَعَقْدٍ مُسْتَجَدٍّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِفَسْخِهِ فِي كُلِّ عَامٍ أَتَتْ فِيهِ تِلْكَ الثَّمَرَةُ فَيَتَّجِرُ بِهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقِرَاضُ فِي نَوْعٍ مَوْجُودٍ فِي كُلِّ الزَّمَانِ فَانْقَطَعَ فِي بَعْضِهِ لِقِلَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَالْقِرَاضُ عَلَى وَجْهِهِ وَحَالِهِ، وَهَكَذَا إِذَا انْقَطَعَ لِجَائِحَةٍ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ كَانَ مُمْكِنًا لِلِاسْتِدَامَةِ فَخَالَفَ الثمار الرطبة في أحد الوجهين.