وَروي الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ أنا وزفر بن أوس وما كنت ألقى رجلا من العرب يحيك فِي صَدْرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قدم الله مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ، قَالَ فَقَالَ لَهُ يا أبا العباس وَأَيُّهَا الَتِي قَدَّمَهَا اللَّهُ وَأَيُّهَا الَّتِي أَخَّرَ؟ فقال كل فريضة لم تزول عن فريضة إلا إلى فريضة هي التي قدمها الله، وكل فريضتين عالت عَنْ فَرِيضَتِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا مَا بَقِيَ فَهِيَ الَّتِي أَخَّرَ، فَأَمَّا الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ فَالزَّوْجُ فَلَهُ النِّصْفُ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يُزِيلُهُ فَلَهُ الرُّبُعُ لَا يُزِيلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالْمَرْأَةُ لَهَا الرُّبُعُ فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ صَارَ لَهَا الثُّمُنُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ، والأم لها الثلث فإذا زالت عنه صار لها السدس لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ، فَهَذِهِ الْفَرَائِضُ الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ، وَالَّتِي أَخَّرَ فَرِيضَةُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ النصف والثلثان، فإذا أزالتهما الفرائض عن ذلك لم يكن لهم إلا ما يبقى، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ وَمَا أَخَّرَهُ بدئ بما قدمه الله ولم تعل فريضة، فقال له البصري فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسِيرَ بِهَذَا الرَّأْيِ عَلَى عمر قال هبته وكان امرءا وَرِعًا فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ إِمَامٌ عَدْلٌ فَأَمْضَى أَمْرًا فَمَضَى وكان امرءا وَرِعًا لَمَا اخْتَلَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ في إسقاط العول واحتجاجه فيه فلم يُتَابِعْهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَّا مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ علي عليهم السلام.
ومن الفقهاء داود بن علي دليل ذَلِكَ مَعَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الِاحْتِجَاجِ أَنَّهُ لَيْسَ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ بِأَقْوَى مِنَ الْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ فَلَمَّا أَخَذَ الْبَنُونَ وَالْإِخْوَةُ ما بقي بعد ذوي الفروض وإن قيل كَانَ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ.
وَالدَّلِيلُ على استعمال العول وإدخال النقص على الْجَمَاعَةِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ألحقوا الفرائض بأهلها " وكان الْأَمْرُ لِجَمِيعِهِمْ عَلَى سَوَاءٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِالنَّقْصِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قُصُورُ التَّرِكَةِ عَنِ الدَّيْنِ وَضِيقِ الثُّلُثِ عَنِ الوصية توجب توزيع ذلك بالحصص وإدخال النَّقْصِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْقِسْطِ وَلَا يُخَصُّ بِهِ الْبَعْضُ مَعَ تَسَاوِي الْكُلِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فرض التركة بمثابة في إدخال النقص على جميعها بالحصص، ولأن لَوْ جَازَ نَقْصُ بَعْضِهِمْ تَوْفِيرًا عَلَى الْبَاقِينَ لكان نقص الزوج والزوجة ولإدلائهما بِسَبَبٍ أَوْلَى مِنْ نَقْصِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ إدلائهما بنسب ولأن الزوج والزوجة والأم وإن أُعْطَوْا مَعَ كَثْرَةِ الْفُرُوضِ وَضِيقِ التَّرِكَةِ أَعْلَى الْفَرْضَيْنِ كَمَّلَا وَإِدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى غَيْرِهِمْ ظُلْمٌ من شاركهم وجعلوا أعلى في الحالة الأدنى وَإِنْ أُعْطَوْا أَقَلَّ الْفَرْضَيْنِ فَقَدْ حُجِبُوا بِغَيْرِ مَنْ حَجَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فاسد، وإذا فسد الأمران وجب العول.