للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أُوَرِّثُهَا بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ، وَأُسْقِطُ الْأُخْرَى، وَلَا أَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْمِيرَاثَيْنِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَحَمَّادٌ وَاسْتَدَلَّ مَنْ وَرَّثَ بها بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى التَّوْرِيثِ بِالْقَرَابَاتِ، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا " فَلَمْ يَجُزْ مَعَ النَّصِّ إِسْقَاطُ بَعْضِهَا.

قَالُوا: وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ السَّبَبَيْنِ مِنْ أسباب الإرث عند انفصالها لَا يَمْنَعُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْإِرْثِ بِهِمَا كَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأُمٍّ.

قَالُوا: لأن اجْتِمَاعَ الْقَرَابَتَيْنِ يُفِيدُ فِي الشَّرْعِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إما التقديم كأخ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ وَإِمَّا التَّفْضِيلُ كَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأُمٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمَا لَغْوًا لَا يُفِيدُ تَقْدِيمًا وَلَا تَفْضِيلًا لِمَا فِيهِ مِنْ هَدْمِ الْأُصُولِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَلِذَلِكَ لَمَّ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إِحْدَى الْقَرَابَتَيْنِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] فَلَمْ يَزِدِ اللَّهُ تَعَالَى الْبِنْتَ عَلَى النِّصْفِ وَهُمْ يَجْعَلُونَ لِلْبِنْتِ إِذَا كَانَتْ بِنْتَ ابْنٍ النِّصْفَ وَالسُّدُسَ، وَالنَّصُّ يَدْفَعُ هَذَا، وَلِأَنَّ الشَّخْصَ الواحد لا يجتمع لَهُ فَرْضَانِ مُقَدَّرَانِ مِنْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ كَالْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لَا تَأْخُذُ النِّصْفَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأَبٍ وَالسُّدُسَ بِأَنَّهَا أُخْتٌ لِأُمٍّ وَلِأَنَّ كُلَّ نسب أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ التَّوَارُثَ جَعَلَ إِلَيْهِ طَرِيقًا كَالْبُنُوَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلْ إِلَى اجْتِمَاعِ هَاتَيْنِ الْقَرَابَتَيْنِ وَجْهًا مُبَاحًا دَلَّ عَلَى أنه لم يرد اجتماع التوارث منهما وَقَدْ يَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَدَنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجْتَمِعِ التَّوَارُثُ بِهِمَا كَالْخُنْثَى لَا يَرِثُ بأنه ذكر وأنثى.

وَالثَّانِي: أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ إِذَا حَدَثَ عَنْ مَحْظُورٍ لَمْ يَجُزِ التَّوَارُثُ بِهِ كَالْأُخْتِ إِذَا صَارَتْ زَوْجَةً وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَجُوسِيًّا لَوْ ترك أختا وأما هي أخته لم يخل أن تحجب الأم إلى السدس أو لا تحجب، فإن لم تحجب فقد كمل فرض الأم مع الميراث الْأُخْتَيْنِ وَإِنْ حَجَبَتْ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَجَبَهَا بِغَيْرِهَا وَهُمْ قَدْ حَجَبُوهَا بِنَفْسِهَا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِحَجْبِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِ الشَّرْعِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالظَّاهِرِ فَهُوَ حَمْلُ الْمَقْصُودِ بِهَا عَلَى انْفِرَادِ الْأَسْبَابِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْمُعْتَادِ دُونَ النادر الشاذ وليس يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ وَمَنَعَ الْعُرْفُ دُونَ مَا جَاءَ الشَّرْعُ بِهِ وَاسْتَقَرَّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ وَقُرَابَاتُ الْمَجُوسِ الْحَادِثَةِ عَنْ مَنَاكِحِهِمْ لَمْ يَرِدْ بِهَا شَرْعٌ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهَا عُرْفٌ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى ابْنَيْ أَحَدِهِمَا أَخٌ لِأُمٍّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَهُ وَالْعُرْفَ اسْتَمَرَّ فِيهِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْقَرَابَتَيْنِ يُفِيدُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَفْضِيلٍ ففاسد

<<  <  ج: ص:  >  >>