وارث وبقي فرض الوصية لغير الورثة في الْأَقْرَبِينَ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.
فَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ طَاوُسٌ يُرَدُّ الثُّلُثُ كُلُّهُ عَلَى قَرَابَتِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ: يُرَدُّ ثُلُثُ الثُّلُثِ عَلَى قَرَابَتِهِ وَثُلُثَا الثُّلُثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زيد رد ثُلُثَا الثُّلُثِ عَلَى قَرَابَتِهِ وَثُلُثُ الثُّلُثِ لِمَنْ أوصى بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ مِنْهُ عَلَى أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَتَأَوَّلُوا قَوْله تَعَالَى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٣] . أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
والثاني: خمس مائة، وهذا قول النخعي.
والثالث: يجب في قليل المال وكثيره وهو قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. فَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ حُكْمَ الْآيَةِ ثَابِتًا. وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إلى إنها منسوخة بالمواريث. واختلفوا بأية آي نُسِخَتْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ نُسِخَتْ بآية الْوَصَايَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] . وَقَالَ آخَرُونَ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تعالى: {وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] . وَسَنَذْكُرُ دَلِيلَ مَنْ أَثْبَتَهَا وَمَنْ نَسَخَهَا فيما بعد.
ثم قال: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فأصلح بينهما فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢] . وَأَصْلُ الْجَنَفِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْجَوْرُ وَالْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ. وَمِنْهُ قول الشاعر:
(هم المولى وقد جَنَفُوا عَلَيْنَا ... وَإِنَّا مِنْ لِقَائِهِمُ لَزُورُ)
وَفِي تأويل قوله تعالى: جنفا أو إثما ثلاثة أقاويل.
أحدهما: أَنَّ الْجَنَفَ: الْمَيْلُ، وَالْإِثْمُ، أَنْ يَأْثَمَ فِي أَثَرَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ ابن دريد.
والثاني: أن الجنف: الخطأ، والإثم: العمد.
والثالث: أن الرجل يوصي لولد بنيه، وهو يرد بَنِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢] . على أربعة أوجه:
أحدهما: أَنَّ تَأْوِيلَهَا: فَمَنْ حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي عِنْدَ إِشْرَافِهِ عَلَى الْمَوْتِ، فَخَافَ أَنْ يُخْطِئَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيَفْعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ يعمد جورا فيها فيأمر بِمَا لَيْسَ لَهُ، فَلَا حَرَجَ