للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَلَكَ وَأَوْصَى لَكَ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَقَبِلَهُ، وَرَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ. وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ أوصى بِالثُّلُثِ، وَأَوَّلَ مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُدْفَنَ إِلَى القبلة ثم صارا جميعا سنة متبوعة.

وَالْوَصِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يَجُوزُ، وَقِسْمٌ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِي وجوبها.

فأما الذي لا يجوز: فالوصية للوارث.

وروى شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ".

وَأَمَّا التي تجوز ولا تجب، فالوصية للأجانب، وهذا مجمع عليه، فقد أَوْصَى الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى وَرَثَتِهِ.

وأما التي اختلف فيها: فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقَارِبِ.

ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ مَعَ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إِلَى وُجُوبِهَا لِلْأَقَارِبِ، تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠] . وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".

وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فيه يبيت ليلتين إلى وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ ".

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وعائشة، وابن أبي ليلى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُوصِ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: " مَرِضْتُ عَامَ الْفَتْحِ مَرَضًا أَشْرَفْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعُودُنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي مالا كثيرا، وليس يرثني إلا ابني، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَبِالشَّطْرِ. قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ. وَالثُّلُثُ كثير. إنك إن تدع ورثتك أغنياء خيرا مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ".

فَاقْتَصَرَ به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا جَعَلَهُ خَارِجًا مَخْرَجَ الْجَوَازِ، لَا مَخْرَجَ الْإِيجَابِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ غنى الورثة بعده أولى من فقرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>