للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأقل من ستة أشهر اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْمَعْهُودِ ثُمَّ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ. قَالَ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] .

فَلَمَّا كَانَ الْفِصَالُ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ السِّتَّةَ الْأَشْهُرَ الْبَاقِيَةَ هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ.

فَإِنْ وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أشهر من عقد نكاحها، وولدت أمة لأقل من ستة أشهر من وَطْءِ سَيِّدِهَا: كَانَ الْوَلَدُ مُنْتَفِيًا عَنْهُ، وَغَيْرَ لَاحِقٍ بِهِ.

وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: مِلْكُ الْوَصِيَّةِ مَتَى يحصل للموصى له، ويدخل فِي مِلْكِهِ؟

وَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ بِالْقَبُولِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ، عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، هَلْ تَكُونُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي، أَوْ دَاخِلَةً فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ: أَنَّ مِلْكَ الْوَصِيَّةِ مُنْتَقِلٌ عَنِ الْمَيِّتِ إِلَى وَرَثَتِهِ، ثُمَّ بالقبول يدخل فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوصِي بِالْمَوْتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - وَأَكْثَرِ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَقْبَلَهَا الْمُوصَى لَهُ فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِقَبُولِهِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَيْهِ عَنِ الْمُوصِي، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمَلَّكُ عَنْهُ كَالْمِيرَاثِ.

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ، بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمَلَّكُ بِالْقَبُولِ هُوَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ الملك على قبولها كالهبات.

قال الشافعي: " وهذا قول ينكسر " اهـ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْقَبُولَ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ، فَيَكُونُ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا، فإذا قبل حمل عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِهِ.

وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ.

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: هُوَ أَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ أَنْ يَبْقَى لِلْمَيِّتِ مِلْكٌ. وَأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ الْإِرْثَ، اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ وَرَدِّهِ وَحَقُّهُ فِي الْقَبُولِ بَاقٍ، مَا لَمْ يعلم.

فإن عَلِمَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ إِنْفَاذِ الْوَصَايَا، وَقِسْمَةِ التركة فقبوله على الفور فاقبل، وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْوَصِيَّةِ، فَأَمَّا بَعْدَ عِلْمِهِ، وَقَبْلَ إِنْفَاذِ الْوَصَايَا وَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ، إِنَّ الْقَبُولَ فِيهِ عَلَى التَّرَاخِي، لَا عَلَى الْفَوْرِ. فَيَكُونُ مُمْتَدًّا مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالرَّدِّ، حَتَّى تُنَفَّذَ الْوَصَايَا، وَتُقَسَّمَ التَّرِكَةُ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرِ الْقَبُولُ مَعَ الْوَصِيَّةِ، اعْتُبِرَ عِنْدَ إِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>