للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الحشر: ٧] الْآيَةَ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ حِينَئِذٍ، فِيمَا اسْتَقَرَّ حكم الفيء عليه عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة: أَنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَلَا يُخَمَّسُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَصْرِفُهُ فِيهَا.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا سَهْمٌ كَأَحَدِ أَهْلِ الْخُمُسِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مَرْدُودٌ فِيكُمْ ".

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنْ خُمُسَهُ مَقْسُومٌ عَلَى خَمْسَةٍ، مِنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَهْمٌ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُ خَاصَّةً، فَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِ الْفَيْءِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا، منها أحد وعشرين سَهْمًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ هِيَ لِأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ هُمْ ذَوُو الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينُ، وَابْنُ السَّبِيلِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين} فَأَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَيْءَ إِلَى رَسُولِهِ كَمَا أَضَافَ الْغَنِيمَةَ إِلَى الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنِ اسْتَثْنَاهُ فِي سَهْمِ الْغَانِمِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ مَا جُعِلَ لَهُ مِنَ الْفَيْءِ مَحْمُولًا على المقدار المجعول لَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ الْخُمُسُ، وَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَهُ لِمَنْ أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِ وَهُوَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا كَانَ الْبَاقِي مِنَ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ أَضَافَهَا إِلَيْهِ وَهُمُ الْغَانِمُونَ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسَ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ فِي أموال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ عُمَرُ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَالِصًا دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ فَمَا فَضَلَ مِنْهَا جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم وليتها بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلْتُمَانِي أَنْ أُوَلِّيكُمَاهَا فَوَلَّيْتُكُمَاهَا عَلَى أَنْ لَا تَعْمَلَا فِيهَا إِلَّا بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ وَلِيتُمَاهَا ثُمَّ جِئْتُمَانِي تَخْتَصِمَانِ، أَتُرِيدَانِ أَنْ أَدْفَعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفًا أَتُرِيدَانِ مِنِّي قضاء غير ما قضيت بينكما، أو لا؟ فَلَا وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا قَضَاءً غَيْرَ هَذَا فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>