للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهْ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا هلم اللَّهِ إِذَنْ لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ " قَالَ أَبُو قَتَادَةَ فَأَعْطَانِيهِ فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلَمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: ذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، وَإِجَازَةِ الْغَنِيمَةِ وَبَعْدَ قَتْلِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْكَافِرِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِالْقَتْلِ لَا بِالشَّرْطِ، فَإِنْ حَمَلُوا عَلَى شَرْطِ تَقَدُّمٍ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِثْبَاتُ مَا لَمْ يُنْقَلْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَيَانُ شَرْعٍ وَإِنْ تَقَدَّمَ كَمَا يَكُونُ بَيَانُهُ، لِأَنَّهُ نَقْلُ سَبَبٍ عُلِّقَ عَلَيْهِ حُكْمٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ شَرْطٌ لَأَخَذَهُ أَبُو قَتَادَةَ وَلَمْ يَدَّعِيهِ أَوْ لَا يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ بَالْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَعْطَاهُ أَبَا قَتَادَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ نَفْلًا لَاحِقًا، فَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ كَانَ يَدُهُ عَلَى السَّلَبِ فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى بَيِّنَةٍ.

وَالثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ اثْنَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَالٌ مَغْنُومٌ، يُسْتَحَقُّ بِسَبَبٍ لَا يَفْتَقِرُ تَقْدِيرُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِيهِ شَرْطُ الْإِمَامِ كَسَهْمِ الْغَانِمِينَ طَرْدًا أَوِ النَّفْلِ عَكْسًا؛ وَلِأَنَّهُ ذُو سَهْمٍ تَحَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِ كَافِرٍ فَقَاتَلَ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا شَرَطَهُ الْإِمَامُ لَهُ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّلَبَ خَارِجٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] وَلَيْسَ السَّلَبُ مَا غَنِمُوهُ وَإِنَّمَا غَنِمَهُ أَحَدُهُمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِجْمَالِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَفْسَ الْإِمَامِ إِمَامِ الْأَئِمَّةِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ طَابَتْ بِهِ فَكَانَتْ أَوْكَدَ مِنْ أَنْ تَطِيبَ بِهِ نَفْسُ إِمَامٍ مِنْ بَعْدِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ يُحْمَلُ عَلَى النَّفْلِ، وَيُخَصُّ مِنْهُ السَّلَبُ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ عوفا وخالد اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، وَلَكِنِ اسْتَكْثَرَهُ خَالِدٌ، وَاسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ لَا يَسْقُطُ بِالْكَثْرَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَوْفًا حِينَ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَسْأَلْ عَنِ الشَّرْطِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>