للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ اسْتِدَامَةِ فِعْلِهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَدَارَ هَذَا عَلَى بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ لِينٌ.

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَسَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهما لَهُ؛ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٍ لِأُمِّهِ صَفِيَّةَ، لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَكُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ نُصُوصٌ تَمْنَعُ مِنَ الْخِلَافِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيُحْمَلُ السَّهْمُ الثَّالِثُ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دفعه إلى الفارس نقلا كما نقل الرُّبُعَ فِي الْبُدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرُّجْعَةِ فَعَنْ ذلك أربعة أجوبة:

أحدهما: أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُسْتَحَقِّ لَا عَنِ النَّفْلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّفْلَ يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ فِي الْفَرَسِ شَرْطٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّفْلَ لَا يَكُونُ لِلْفَرَسِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ حُكْمَ السَّهْمِ الثَّالِثِ كَحُكْمِ السَّهْمَيْنَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُونَا نَفْلًا لَمْ يَكُنِ الثَّالِثُ نَفْلًا.

ثُمَّ الدَّلِيلُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ يَزِيدُ عَلَى مُقَدَّرٍ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالضَّعْفِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَمَّا مَسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَرْفَقَ الْمُسَافِرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ولياليهن؛ ولأن مؤنة الفرس أقصر لِمَا يُتَكَلَّفُ مِنْ عُلُوفِهِ وَأُجْرَةِ خَادِمِهِ وَكَثْرَةِ آلَتِهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ أَكْثَرَ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْحَرْبِ أَهْيَبُ، وَتَأْثِيرُهُ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ أَظْهَرُ. فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ أَوْفَرَ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو العمري فيمن ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ أَقْوَى عِنْدَهُمْ مِنْهُ وَأَصَحُّ حَدِيثًا، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ خِلَافَ مَا رَوَاهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ خَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ أَزْيَدُ مِنْ خَبَرِهِ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَوْلَى.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَحْمِلُ سَهْمَ الْفَارِسِ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا بِفَرَسِهِ عَلَى السَّهْمِ الرَّاتِبِ لِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ كَمَا رَوَيْنَا اسْتِعْمَالًا لِلرِّوَايَتَيْنِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>