للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ " فَلَوْ كَانَ مَقْسُومًا عَلَى سِتَّةٍ لَقَالَ إِلَّا السُّدُسَ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُقَسِّمُ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ.

فَأَمَّا الْآيَةُ فَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنَّ تَقْدِيمَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ لِلتَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ، وَلِإِبَاحَةِ الْمَالِ بَعْدَ حَظْرِهِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْأَمْوَالِ لَهُ، وَلِتَغَلُّظِ حَظْرِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَنْ سَمَّاهُ.

وَأَمَّا أبو حنيفة فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَاقِطٌ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ مَلَكَ فِي حَيَاتِهِ حَقًّا كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِمَّا مَوْرُوثًا، وَإِمَّا سَاقِطًا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَوْرُوثًا سَقَطَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ سَهْمَهُ مِنَ الْخُمُسِ كَمَا كَانَ يَمْلِكُ مِنَ الْغَنِيمَةِ الصَّفِيَّ فَلَمَّا سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الصَّفِيِّ بِمَوْتِهِ سَقَطَ سَهْمُهُ مِنَ الْخُمُسِ بِهِ.

وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا على أن لا حق لذوي القرب فِيهِ إِلَّا بِالْفَقْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ؛ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ من أهل القربى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] فَحَظَرُوا بِهَذَا التَّعْلِيلِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَثُبُوتُ حَقِّهِمْ فِيهِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ؛ فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ: دَعَانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ عَزَلَ لَنَا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فقلت إن بني هاشم عنه في غناء وإن بالمسلمين حلة وَفَاقَةً فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا تَرَكَهُ لِلْغَنِيِّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَهُ بِالْفَقْرِ.

قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ لَمْ يَجُزْ صرفه إلى أغنياء غير ذي القربة لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إِلَى أَغْنِيَاءِ ذِي الْقُرْبَى كَالصَّدَقَاتِ؛ وَلِأَنَّهُمْ صِنْفٌ مُسَمًّى فِي الْخُمُسِ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقُّوهُ مَعَ الْغِنَى كَالْيَتَامَى وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ: فَدَلَّ رَدُّهُ ثُبُوتَهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ حُكْمُهُ، لَا عَلَى سُقُوطِهِ.

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ. فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ مِثْلَ مَا وَلِيَهَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ وَلِيَهَا عُمَرُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بَكْرٍ فَمَوْضِعُ الدِّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَلَكَا بِحَقِّهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ مَسْلَكَهُ بِحَقِّهِ فِي حَيَاتِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى بَقَائِهِ وَثُبُوتِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ سِهَامِ الْخُمُسِ لَمْ يَسْقُطْ كَسَائِرِ السهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>