فِي دَمِهَا ثُمَّ عَلَّقَ مِنْهُ فَهُوَ مِنَّا لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ فَأَدْخَلَتْ أَيْدِيَهَا بَنُو هَاشِمٍ فَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ بَنُو سَهْمٍ وَبَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَبَنُو جُمَحَ وَبَنُو عَدِيٍّ وَبَنُو مَخْزُومٍ فَسُمِّيَ هَذَا أَحْلَافَ اللَّعْقَةِ، فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ فِي ذَلِكَ.
(وَسُمِّينَا الْأَطَايبَ مِنْ قُرَيْشٍ ... عَلَى كَرَمٍ فَلَا طِبْنَا وَلَا طَابَا)
(وَأَيُّ الْخَيْرِ لَمْ نَسْبِقْ إِلَيْهِ ... وَلَمْ نَفْتَحْ بِهِ لِلنَّاسِ بَابَا)
وَأَمَّا حِلْفُ الْفُضُولِ فَهُوَ حِلْفٌ عَقَدَتْهُ أَيْضًا قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ وَكَانَ سَبَبُهُ مَا حَكَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ شَيْبَةَ السلمي باع متاعا على أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ فَلَوَاهُ وَذَهَبَ بِحَقِّهِ، فَاسْتَجَارَ عَلَيْهِ بَنِي جُمَحَ فَلَمْ يُجِيرُوهُ فَقَامَ قَيْسٌ مُنْشِدًا فَقَالَ:
(يَا آَلَ قُصَيٍّ كَيْفَ هَذَا فِي الْحَرَمْ ... وَحُرْمَةُ الْبَيْتِ وَأَخْلَاقُ الْكَرَمْ)
(أَظُلْمٌ لَا يُمْنَعُ مَنْ ظُلِمْ)
فَجَدَّدُوا لِأَجْلِهِ حِلْفَ الْفُضُولِ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ عَلَى رَدِّ الظُّلْمِ بِمَكَّةَ، وَأَنْ لَا يُظْلَمَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا مَنَعُوهُ وَدَخَلَ فِي الْحِلْفَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَبَنُو زُهْرَةَ وَبَنُو تَيْمٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَئِذٍ مَعَهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَلَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَقَضْتُهُ وَمَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَلَمْ يَدْخُلْ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ بِحِلْفِ الْفُضُولِ فَقَالَ قَوْمٌ: لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لِأَنَّ قُرَيْشًا وَسَائِرَ الْأَحْلَافِ كَرِهُوهُ فَعَابُوا مَنْ دَخَلَ فِيهِ وَنَسَبُوهُمْ إِلَى الْفُضُولِ. فَسُمِّيَ بِحِلْفِ الْفُضُولِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سُمِّيَ حِلْفَ الْفُضُولِ لِأَنَّهُمْ تَحَالَفُوا عَلَى مِثْلِ مَا تَحَالَفَ عَلَيْهِ قَومٌ مِنْ جُرْهُمٍ فِيهِمُ الْفَضْلُ وَفُضَالٌ وَفُضَيْلٌ وَسُمِّيَ بِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِمْ حِلْفَ الْفُضُولِ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي تَرْتِيبِ بَنِي قُصَيٍّ ثم انفرد، بعدهم بنو زهرة أخوا قُصَيٍّ وَهُمَا ابْنَا كِلَابٍ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ مِنْ غَيْرِهِمَا وَقَدْ رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: صريح قريش ابنا كلاب يعني قصي وَزُهْرَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُنْسَبُ إِلَيْهِمَا لِأَنَّ أَبَاهُ مِنْ قُصَيٍّ، وَأُمَّهُ مِنْ زُهْرَةَ، ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ بَعْدَ بَنِي كِلَابٍ بَنُو تَيْمٍ وَبَنُو مَخْزُومٍ لِأَنَّ تَيْمًا وَمَخْزُومًا أَخَوَا كِلَابٍ وَجَمِيعُهُمَا بَنُو مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ فَقَدَّمَ بَنِي تَيْمٍ عَلَى بَنِي مَخْزُومٍ لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ.
مِنْهَا السَّابِقَةُ لِأَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ منهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute