الْعَامِلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرُهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ وَإِذَا دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ إِلَى الْإِمَامِ أَوْ إِلَى عَامِلِهِ، بَرِئَ رَبُّ الْمَالِ مِنْهَا، وَكَانَتْ يَدُ الْإِمَامِ وَيَدُ عَامِلِهِ سَوَاءً لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ، فَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ كَانَ تَالِفًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ مَالِ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ إِلَّا بِالْعُدْوَانِ.
وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ بِالْجَوْرِ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْأَمَانَةِ، وَجَازَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ لَمْ يُجْزِ رَبَّ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ وُصُولَهَا إِلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ الْجَائِرُ نَائِبًا عَنْهُمْ، فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ بِنَفْسِهِ، فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ إِخْرَاجَهَا ثَانِيَةً سَوَاءً أَخَذَهَا الْإِمَامُ الْجَائِرُ مِنْهُ جَبْرًا أَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ مُخْتَارًا.
وَقَالَ أبو حنيفة: يُجْزِئُهُ أَخْذُ الْإِمَامِ الْجَائِرِ لَهَا سَوَاءً أَخَذَهَا جَبْرًا أَوْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ مُخْتَارًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ الْجَائِرُ جَبْرًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ مُخْتَارًا لَمْ يُجْزِئْهُ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ ذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " السُّلْطَانُ يُفْسِدُ، وَمَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ أَكْثَرُ، فَإِنْ عَدَلَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَعَلَيْكُمْ، وَإِنْ جَارَ فَلَهُ الْوِزْرُ وَعَلَيْكُمُ الصَّبْرُ " فَلَمَّا جَعَلَ وِزْرَ جَوْرِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ عَلَى غيره، وفي تكليف رد المال الإعادة يَحْتَمِلُ لِوِزْرِهِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ الْجَائِرَ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ كَالْعَادِلِ فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، وَيَتَحَرَّرُ مِنْ هَذَا الِاعْتِلَالِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ سَقَطَتِ الْحُدُودُ بِاسْتِيفَائِهِ لَهَا سَقَطَتِ الزَّكَاةُ بِقَبْضِهِ لَهَا كَالْعَادِلِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ مَا سَقَطَ بِاسْتِيفَاءِ الْإِمَامِ العادل له سقط باستفياء الْإِمَامِ الْجَائِرِ لَهُ كَالْحُدُودِ وَلِأَنَّ خِيَانَةَ النَّائِبِ لَا تَقْتَضِي فَسَادَ الْقَبْضِ كَالْوَكِيلِ.
وَدَلِيلُنَا، مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ " فَجَعَلَ حُدُوثَ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ بَعِيدًا رَافِعًا لِوُجُوبِ الطَّاعَةِ، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ طَاعَةُ الْوَالِي لِجَوْرِهِ صَارَ كَغَيْرِهِ مِنَ الرَّعِيَّةِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ الزَّكَاةُ بِأَخْذِهِمْ لَهَا، وَيَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِ هَذَا الْخَبَرِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَنْ سَقَطَتْ طَاعَتُهُ سَقَطَتْ نِيَابَتُهُ كَالْعَاصِي.
وَالثَّانِي: إِنَّ مَنْ بَطُلَتْ نِيَابَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ كَالْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَخْتَصُّ بِتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَخْتَصُّ بِاسْتِيفَاءِ الْأَمْوَالِ فَلَمَّا لَمْ تُنَفَّذْ أَحْكَامُهُ بِجَوْرِهِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ الْأَمْوَالَ بِجَوْرِهِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ مَا وُقِفَتْ صِحَّتُهُ عَلَى عَدَالَةِ الْإِمَامِ كَانَ مَرْدُودًا بِجَوْرِهِ كَالْأَحْكَامِ، وَلِأَنَّ