كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيُعْطِي الْعَرِيفَ وَمَنْ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكُلْفَتِهِ وَذَلِكَ خَفِيفٌ لِأَنَّهُ فِي بِلَادِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَيْسَ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ ذَكَرَهُ فَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، فَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا هُمْ صِنْفٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ يُعْطَوْنَ أُجُورَهُمْ مِنْهَا صَدَقَةً.
وَقَالَ أبو حنيفة: هُوَ أُجْرَةٌ وَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ مَعَ الْغِنَى وَلَوْ كَانَتْ صَدَقَةً حَرُمَتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: ٦٠] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَالَ عَنِ الصَّدَقَةِ حُكْمُهَا بِاخْتِلَافِ الْمُتَمَلِّكِينَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْعَمَلِ عَلَيْهَا لِتَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الصَّدَقَةِ إِلَى الْأُجْرَةِ مَا مَنَعَهُمْ مِنْهَا، وَلَيْسَ يُنْكَرُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ صَدَقَةً إِذَا كَانَتْ مَأْخُوذَةً مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مُسْتَأْجَرِينَ بِعَقْدِ إِجَارَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى فِيهِ مِنَ الْأُجْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ أَنْ يُسَمَّى لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْتَأْجَرِينَ، بِعَقْدٍ كَانَ لَهُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَنِ اسْتَهْلَكَ عَمَلَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا وَقِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأَمَانَاتُهُمْ " لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ غَيْرُ أَمِينٍ وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ مَعْرُوفَ الْأَمَانَةِ كَانَتْ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَمَانَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا غَيْرُ أَمِينٍ، وَمِنَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الْعَرِيفُ وَالْحَاشِرُ وَالْحَاسِبُ وَالْكَيَّالُ وَالْعَدَّادُ فَأَمَّا الْعَرِيفُ: فَعَرِيفَانِ: عَرِيفٌ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَعَرِيفٌ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ.
فَأَمَّا الْعَرِيفُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُ أَمْوَالَهُمْ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَالِ لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِجَمِيعِهَا وَبِأَرْبَابِهَا.
وَأَمَّا عَرِيفُ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَحْوَالُهُمْ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِيرَانِ أَهْلِ السُّهْمَانِ لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِظَاهِرِ أَحْوَالِهِمْ وَبَاطِنِهَا، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ أُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ وَأُجْرَتُهُمَا أَقَلُّ لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَطْعِ مَسَافَةٍ لِكَوْنِهِمَا مِنْ بَلَدِ الصَّدَقَةِ لَا مِنَ الْمُسَافِرِينَ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْحَاشِرُ فَحَاشِرَانِ:
حَاشِرٌ لَأَهِلِ السُّهْمَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّدَاءِ فِي النَّاحِيَةِ بِاجْتِمَاعِهِمْ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا أَقَلُّهُمَا أُجْرَةً لِكَوْنِهِ أَقَلَّهُمْ تَحَمُّلًا.
وَالثَّانِي: حَاشِرُ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَنْ يَتْبَعَ الْمَوَاشِيَ سَارِحَةً فِي مَرَاعِيهَا فَاحْتَاجَ إِلَى حَاشِرٍ يَحْشُرُهَا إِلَى مِيَاهِ أَهْلِهَا، وَهَذَا أَكْثَرُهُمَا أُجْرَةً لِكَوْنِهِ أَكْثَرَهُمَا عَمَلًا، وَكِلَاهُمَا أُجْرَتُهُمَا فِي سهم العاملين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute