يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ مُغَفَّلٌ فَأَيْنَ أَسِمُ قَالَ: فِي مَوْضِعِ الْجِرْمِ مِنَ السَّالِفَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اطْلُبْ لِي طِلْبَةً، قَالَ: ابْغِنِي حَلْبَانَةً رَكْبَانَةً غَيْرَ أَنْ لَا تُولَدَ ذَاتَ وَلَدٍ عَنْ وَلَدِهَا.
الْمُغَفَّلُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْغُفْلِ الَّتِي لَا سِمَةَ عَلَيْهَا وَالْجِرْمُ: الزِّمَامُ.
وَالسَّالِفَةُ: مُقَدَّمُ صَفْحَةِ الْعُنُقِ، وَالْحَلْبَانَةُ: ذَاتُ لَبَنٍ يُحْلَبُ وَالرَّكْبَانَةُ: ذَاتُ ظَهْرٍ يُرْكَبُ، وَرَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ ادْفَعْهَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ، قُلْتُ: فَكَيْفَ تَأْكُلُ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ عُمَرُ: مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ ١ الصَّدَقَةِ؟ فَقُلْتُ الْإِبِلُ هِيَ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ: عُمَرُ أَرَدْتُمْ وَاللَّهِ أَكْلَهَا فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَنُحِرَتْ الْحَدِيثَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِيسَمَ فِعْلُ الْأَئِمَّةِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ بِهِ تَمْتَازُ الْأَمْوَالُ مَعَ تَمَيُّزِ مُسْتَحِقِّهَا وَلِيَكُونَ إِذَا ضَلَّتْ سَبَبًا لِرَدِّهَا فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْوَسْمِ، فَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمِيسَمُ مِنْهَا.
وَالثَّانِي: فَالَّذِي يُكْتَبُ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا مَكَانُهُ فَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ صَلُبَ مِنَ الْبَدَنِ وَقَلَّ شَعْرُهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَعَلَى أَفْخَاذِهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْغَنَمِ فَعَلَى أُصُولِ آذَانِهَا، وَيَكُونُ مِيسَمُ الْغَنَمِ أَلْطَفَ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَصْبِرُ مِنَ الْأَلَمِ عَلَى مَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، فَأَمَّا مَا يُكْتَبُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ، إِمَّا أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهَا صَدَقَةً أَوْ طُهْرَةً أَوْ لِلَّهِ، وَهَذَا أَحَبُّهَا إِلَى الشَّافِعِيِّ تَبَرُّكًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْجِزْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكْتُبَ جِزْيَةً أَوْ يَكْتُبَ صِغَارًا، وَهَذَا اجْتِهَادُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] فَأَمَّا تَمْيِيزُهَا بِجَدْعِ الْأُنُوفِ وَقَطْعِ الْآذَانِ فَمَكْرُوهٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute