للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزْوَاجِكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ} الآية (الأحزاب: ٥٠) .

والإحلال يقضي عدم الْحَظْرِ، وَلَمْ يُحْظَرْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النِّكَاحُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِحْلَالَ والإباحة بعد حظر التخيير.

فإن قيل: فإن الإحلال إنما يوجه إلى نسائه اللاتي خيرهن واخترنه وهذا قول مجاهد قيل: لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُنَّ قَدْ كن حلاله قبل نزول هذه الآية بإحلالهن.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ) {الأحزاب: ٥٠) ولم يكن في نسائه المتخيرات أَحَدٌ مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَلَا مِنْ بَنَاتِ عماته.

فإن قيل؛ فهذه الآية متقدمة على التلاوة على قوله تعالى: {لاَ تَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِنْ بَعْدُ} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ نَاسِخًا لِلْمُتَأَخِّرِ، قِيلَ هِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً فِي التِّلَاوَةِ فهي متأخرة في التنزيل، فجاز النسخ بِهَا كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالّذِينَ يُتَوَفَوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً) {البقرة: ٢٣٤) نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ وَيَذَرُونَ أزْوَاجاً وَصِيةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَولِ) {البقرة: ٢٤٠) وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي التِّلَاوَةِ لَكِنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ فِي التَّنْزِيلِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُدِّمَتْ تِلَاوَةُ ما تأخر تنزيله؟

قيل: لأن جبريل عليه السلام كان إذا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَمْرَهُ أَنْ يَضَعَهَا فِي موضع كذا فإن قيل: فلما أمره بتقديم تلاوة ما تأخر تنزيله قيل: لسبق الْقَارِئُ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ حَتَّى إِنْ لَمْ يعرف حكم ما بعده من المنسوخ أجزأه، وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْحَظْرِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ سَنَةَ ثمانٍ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَذَلِكَ بَعْدَ التَّخْيِيرِ فقد قَالَتْ عَائِشَةُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى أبيح له النساء، وهما بذلك أعرف؛ وَلِأَنَّ عِلَّةَ الْحَظْرِ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، فَإِذَا زَالَتْ زَالَ مُوجِبُهَا، وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ حَتَّى وَسَّعَ عَلَى نِسَائِهِ، وَأَجْرَى لِكُلِّ واحد مِنْهُنَّ ثَمَانِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَرْبَعِينَ صَاعًا من شعير سوى الهدايا والألطاف وأما الاستدلال بالآية فقد ذكرنا وجه نسخها، وأما الجزاء وهو مَشْرُوطٌ بِحَالِ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ عَلَيْهِنَّ أَنَّ فِي طَلَاقِهِنَّ قَطْعًا لِعِصْمَتِهِنَّ وَيَخْرُجْنَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَزْوَاجِهِ فِي الْآخِرَةِ وَلَيْسَ فِي التَّزْوِيجِ عَلَيْهِنَّ قطع لعصمتهن فافترقا والله أعلم.

فإذا ثبت نسخ الحظر مما ذَكَرْنَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْإِبَاحَةِ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ أَوْ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ فِي الْآيَةِ. إِذَا هَاجَرْنَ مَعَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِبَاحَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى المسميات مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>