للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَعَارَضَانِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ المرأةَ وَلَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا " وَالَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا هِيَ الزَّانِيَةُ

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ: الزَّوْجُ، وَالْوَلِيُّ، وَشَاهِدَانِ، وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ قَوْلُ مِنْ ذَكَرْنَا مِنَ الرُّوَاةِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَّا عَلَيٌّ فَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ أَشَدُّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَّا عُمَرُ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوِ السُّلْطَانِ وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا إِنْ كَانَ وَاحِدًا، أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانُوا جَمَاعَةً، أَوِ السُّلْطَانِ إِنْ لَمْ يكن لها ولي.

الثاني: بإذن وليها إن لم كان لها ولي، فإن كان لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ ذي الرأي من أهلها وذوي أَرْحَامِهَا، فَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ فِي التَّابِعَيْنِ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ.

ويدل على ذلك من القياس هو أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ زَوَائِدِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَانَ شَرْطًا فِيهِ كَالشُّهُودِ، وَلِأَنَّ مَا اخْتُصَّ مِنْ بَيْنِ جِنْسِهِ بِزِيَادَةِ عَدَدٍ كَانَتِ الزِّيَادَةُ شَرْطًا فِيهِ كَالشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا، وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَارَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لَمْ يملكه الْمُفْتَرَشَةَ كَالْأَمَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي فَسْخِهِ دَلَّ عَلَى فَسَادِ عَقْدِهِ كَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ إِذَا زَوَّجَا أَنْفُسَهُمَا، ولأن من منع من الوفاء معقود العقد خرج من العقد كالمحجور عليه، ولأنه أَحَدُ طَرَفَيِ الِاسْتِبَاحَةِ فِلَمْ تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ كَالطَّلَاقِ، ولأن لولي المرأة قبل بلوغها حقين: حقاً في طلب الكفاءة، وحقاً في طلب الْعَقْدِ، فَلَمَّا كَانَ بُلُوغُهَا غَيْرَ مُسْقِطٍ لِحَقِّهِ فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ كَانَ غَيْرَ مُسْقِطٍ لِحَقِّهِ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ.

وَيَتَحَرَّرُ مِنَ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:

أحدها: أنه أحد حقي الولي فلم يسقط بلوغها كَطَلَبِ الْكَفَاءَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مِنْ ثَبَتَ عَلَيْهَا حَقُّ الْوَلِيِّ فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ ثَبَتَ عليه حَقُّهُ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ كَالصَّغِيرَةِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِ الْجَنَاحِ عَنْهُنَّ أَنْ لَا يُمْنَعْنَ من النكاح فإذا أَرَدْنَهُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَفَرُّدِهِنَّ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كما لم يَدُلَّ عَلَى تَفَرُّدِهِنَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) {البقرة: ٢٣٤) . يقتضي

<<  <  ج: ص:  >  >>