وَلِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعَرَبِيَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْعَقْدِ مَعْنَى اللفظ دُونَ اللَّفْظِ، وَالتَّمْلِيكُ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ فَصَحَّ به العقد كالنكاح.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحُهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ) {الأحزاب: ٥٠) . فَجَعَلَ الله تعالى النكاح بلفظ الهبة خالصاً لرسوله دُونَ أُمَّتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أراد أن يجعلها الله له خالصة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ من الله تعالى، وَلَا إِذْنٌ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مُجَرَّدِ الطلب دليل على الإباحة.
قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امرأة وهبت نفسها منه فذهب جمهورهم إِلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نفسها له واختلفوا فيه عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا أُمُّ شَرِيكٍ قَالَهُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ، قَالَتْهُ عَائِشَةُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ، قَالَهُ الشَّعْبِيُّ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ على الإباحة إلى ما شاء له مِنَ التَّخْصِيصِ لَكَانَ فِعْلُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عباس ومجاهد [وتأويل من قرأ بالكسر " إن وهَبَتْ "] محمول على المستقبل وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بالفتح " أن وهبت " [على الماضي] ٍ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ سِيَاقُ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِيِّ) {الأحزاب: ٥٠) . حِكَايَةٌ لِلْحَالِ وقوله: {إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحُهَا} إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ} مواجهة من الله تعالى له بالحكمة من غير أن يكون من رسوله طَلَبٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا إِلَّا عَلَى ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ وَبَيَانِ التَّخْصِيصِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا خُصَّ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ لِيَكُونَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ مُفِيدًا، وَلَمْ يُخَصَّ أَنْ يَعْقِدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ قِيلَ: بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْأَمْرَيْنِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الآية وليكون اخْتِصَاصُهُ بِحُكْمِ اللَّفْظِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ هُوَ الْمُفِيدُ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، لِأَنَّهُ لَوِ انْعَقَدَ نِكَاحُ غَيْرِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَتَعَدَّى حُكْمُهُ إِلَى غَيْرِهِ فَيَبْطُلُ التَّخْصِيصُ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ أَبُو شَيْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: " إِنَّ النِّسَاءَ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَا يَمْلِكْنَ مِنْ أُمُورِهِنَّ شَيْئًا إِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute