للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: إنما أراد الشافعي بهذا هل للعبد أن يسري وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدِ هَلْ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ أَمْ لَا؟ فَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ السَّيِّدُ لَمْ يَمْلِكْ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا يَكْتَسِبُهُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ إحشاش أو بصنعة أَوْ عَمَلٍ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ دُونَهُ، وَإِنْ مَلَكَهُ السيد فهل يملك أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ إِنَّهُ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مِلْكِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ مِلْكًا ضَعِيفًا لَا يَتَحَكَّمُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلِلسَّيِّدِ اسْتِرْجَاعُهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ مِلْكٌ قَوِيٌّ يَتَحَكَّمُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ لَكِنْ للسيد استرجاعه.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ.

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابِ " الْبُيُوعِ ".

فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ وَأَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَتَسَرَّى بِأَمَةٍ فَإِنْ لَمْ يُمَلِّكْهُ السَّيِّدُ إِيَّاهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أن يستبيح إلا وطء زوجة، وملك يَمِينٍ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لِلْعَبْدِ فِي وَطْئِهَا زَوْجَةً لَهُ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ فَلَمْ يحل له وطئها؟ ؟ لمجرد الْإِذْنِ كَمَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَطَأَهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ إياها فعلى قوله في القديم يصير مالكاً لها وليس له أن يطأها متسرباً لَهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ فِي وطئها وإن صار مالكاً لها؛ لأنه ملك ضَعِيفٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا جَازَ له حينئذ التسري بها لَمْ يَرْجِعِ السَّيِّدُ فِي مِلْكِهِ أَوْ إِذْنِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ لِعِكْرِمَةَ أن يتسرى بها بِجَارِيَةٍ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن العبد يتسرى وإن رجع السد في ملكه حرم على السيد أن يَتَسَرَّى بها لِزَوَالِ السَّبَبِ الَّذِي اسْتَبَاحَ بِهِ التَّسَرِّيَ فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ أم ولد له وحرم عليه بيعها فإن رجع السيد عليها بِهَا جَازَ لِلسَّيِّدِ بِيعُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ. فأما عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ وإن ملكه السيد ولا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ لِعِكْرِمَةَ أَنْ يَتَسَرَّى بِجَارِيَةٍ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَالْمَرْوِيُّ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ زَوَّجَهُ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا عِكْرِمَةُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَكَانَ ابن عباس رد طلاق لَا يَقَعُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَمَرَهُ بِالْمُقَامِ عَلَيْهَا فَكِرَهَ عِكْرِمَةُ ذَاكَ فَأَبَاحَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بها تطيباً لنفسه ومعتقداً أن الإباحة لعقد النِّكَاحِ.

وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يطأ الرجل إلا وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْأَحْرَارَ دُونَ الْعَبِيدِ لَكِنْ إِنْ وَطِئَهَا الْعَبْدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لمكان الشبهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>