وَمِنَ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ، وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ أبو حنيفة: الزِّنَا كَالْحَلَالِ فِي تحريم المصاهرة، فإذا زنا بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا، وَحَرُمَتْ عَلَى أبيه وابنه، ولو زنا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ بَطَلَ نِكَاحُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَّلَهَا، أَوْ لَمَسَهَا، أَوْ تَعَمَّدَ النَّظَرَ إلى فرجها بشهوة بطل نكاحها على أبيه وابنه، وحرم عليها أُمُّهَا وَبِنْتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وحكي نحوه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَزَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ: إِذَا تَلَوَّطَ الرَّجُلُ بِغُلَامٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ، وَحَرُمَ عَلَى الْغُلَامِ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ، وَاسْتَدَلُّوا جَمِيعًا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) {النساء: ٢٢) وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، فَاقْتَضَى عُمُومُ الْوَطْءِ تَحْرِيمَ الَّتِي وَطِئَهَا الْأَبُ.
قَالُوا: وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قل: " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا " فَاقْتَضَى إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ فِي الزِّنَا أَنْ لَا يَنْظُرَ إلى فرج ابنتها فِي النِّكَاحِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كَشْفِ الْخِمَارِ لِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مَقْصُودٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الْمُبَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ الْمَحْظُورِ قِيَاسًا عَلَى وَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ مَحْظُورِهِ وَمُبَاحِهِ كَالرَّضَاعِ.
ودليلنا قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} (الفرقان: ٥٤) فجمع بين المائين الصِّهْر، وَالنَّسَب، فَلَمَّا انْتَفَى عَنِ الزِّنَا حُكْمُ النَّسَبِ انْتَفَى عَنْهُ حُكْمُ الْمُصَاهَرَةِ وَرَوَى نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " الحرام لا يحرم الحلال ".
وروي عن الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ ابْنَتَهَا أَوْ يَنْكِحُ الْبِنْتَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، إِنَّمَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بِنِكَاحٍ حَلَالٍ " وَهَذَا نَصٌّ لَا يَجُوزُ خلافه.
ومن طريق القياس أنه وطء تمحض تحريمه فلم يتعلق به تحرم الْمُصَاهَرَةِ كَوَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَلَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ كَوَطْءِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَيِّتَةِ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمُ نِكَاحٍ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الصَّحِيحِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنِ الزِّنَا الصَّرِيحِ قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهُ وطء لا يتعلق به التحريم المؤقت فوجب أن يتعلق به التحريم المؤبد كاللواط، ولأنه مَا أَوْجَبَ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ افْتَرَقَ حُكْمُ حَلَالِهِ وحرامه كالعقد، ولأن المواصلة التي ثبت فِي الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ تَنْتَفِي عَنِ الْوَطْءِ بِالزِّنَا قياساً على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute