أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الإماء لعقد الْحُرَّةِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ مَنْ سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ فيها نكاح الأمة، فجاز أن يستديم فيهما نكاح الأمة.
والحال الثانية: أَنْ يَكُونَ عِنْدَ إِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِوُجُودِ الطَّوْلِ أَوْ أَمْنِ الْعَنَتِ فَنِكَاحُ الْإِمَاءِ قَدْ بَطَلَ اعْتِبَارًا بِحَالِ إِسْلَامِهِ مَعَهُنَّ، وَأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ أَمَةٍ فَلَمْ يكن له أن يستديم بالاختيار نِكَاحَ أَمَةٍ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحَ أَمَةٍ مِنْهُنَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ أَمَةٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ مُعْتَبَرٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي اسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا أَلَا تَرَاهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لِخَوْفِ الْعَنَتِ ثُمَّ أَمِنَ الْعَنَتَ جَازَ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحَهَا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يبتدئه كَذَلِكَ الْمُشْرِكُ إِذَا أَسْلَمَ مُسْتَدِيم لِنِكَاحِهَا، وَلَيْسَ بِمُبْتَدِئٍ فَجَازَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى نِكَاحِهَا مَعَ عدم الشرك، وإن لم يجز أن يبتدئه.
قال؛ ولأنه لو وجب أن يعتبر شروط الابتداء في وقت استدامته عِنْدَ الْإِسْلَامِ لَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا لَمْ يَعْتَبِرْ مَا سِوَاهُ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ لَا يَحِلُّ إلا باعتبار شروطه فلما لم تعتبر وقت عقده في الشرك، وجب أن تعتبر وَقْتَ اخْتِيَارِهِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا خَالِيًا مِنْ شُرُوطِ الْإِبَاحَةِ فِي الْحَالَيْنِ، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّنَا قد اعتبرنا شروط الْإِبَاحَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَمْ نَعْتَبِرْهَا فِي الِاسْتِدَامَةِ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِدْلَالِهِ الثَّانِي، بأن الولي والشاهدين، وإن كان شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ وَالشَّاهِدَيْنِ مِنْ شُرُوطِ الْعَقْدِ وعقد الشرك معفو عنه فعفى عَنْ شُرُوطِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ شُرُوطُ نِكَاحِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شُرُوطِ الْإِبَاحَةِ وَشُرُوطُ الْإِبَاحَةِ مُعْتَبَرَةٌ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَكَحَ فِي الشِّرْكِ مُعْتَدَّةً ثُمَّ أَسْلَمَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهَا وَقْتَ الِاخْتِيَارِ غَيْرُ مباحة كذلك الأمة.
ويتفرع على هذا التفريغ ثَلَاثَةُ فُرُوعٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تُسْلِمَ الْمُشْرِكَةُ مَعَ زوجها وهي في عدة من وطء شبهة فقد اختلف أصحابنا في إباحتها عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أن نكاحها باطل اعتباراً بما قررناه، بأنه لَا يَسْتَبِيحُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ بعد صحة عقدها لَمْ يُؤَثِّرْ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ.
وَالْفَرْعُ الثَّانِي: أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ، وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ ثم يسلم الثاني في العدة فالأول على إحرامه وفي النكاح وجهان: