قال الماوردي: وصورتها في مشرك تزوج بثماني زَوْجَاتٍ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَهُنَّ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ لِنِسَائِهِ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ مِنْكُنَّ فَقَدِ اخْتَرْتُ إِمْسَاكَهَا فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اخْتِيَارٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، وَالِاخْتِيَارُ لِلنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ بِصِفَةٍ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ اخْتِيَارٌ لِمُبْهَمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَالِاخْتِيَارُ لَا يَصِحُّ إِلَّا لِمُعَيَّنَةٍ كَالنِّكَاحِ.
وَالْفَصْلُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ لَهُنَّ: كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ، فَقَدْ فَسَخْتُ نِكَاحَهَا، فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فسخ معلق بصفة لا يَجُوزُ تَعَلُّقُ الْفَسْخِ بِالصِّفَاتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَسْخٌ قَبْلَ وَقْتِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ فَسْخُ مَنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يُسْلِمَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ فَسْخُ نِكَاحِهِنَّ.
وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ لَهُنَّ: كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدْ طَلَّقْتُهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بصفة، فَإِذَا أَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ طُلِّقْنَ وَكَانَ ذَلِكَ اختياراً لهن؛ لأن الطلاق لا يقع عَلَى زَوْجَةٍ، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَاتِ؛ لِأَنَّ الطلاق في المتقدمات قد يتضمن اخْتِيَارَهُنَّ فَصَارَ فَسْخًا لِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ قَالَ: " وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدِ اخْتَرْتُ فَسْخَ نِكَاحِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا أن يريد به طلاقها فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدْ طَلَّقْتُهَا صَحَّ طَلَاقُهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَسْخِ فِي أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْلِيقُهُ بِصِفَةٍ، وبين الطلاق في أن جَوَازَ تَعْلِيقِهِ بِالصِّفَةِ أَنَّ الْفَسْخَ مَوْضُوعٌ لِتَمْيِيزِ الزَّوْجَةِ عَنِ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِالصِّفَةِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ الْمَقْصُودِ فِيهِ وَالطَّلَاقُ حَلَّ لِنِكَاحِ الزوجة فجاز تعلقه بِالصِّفَةِ لِوُجُودِ حِلِّ النِّكَاحِ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وطائفة معه: أن قوله للثماني الْمُشْرِكَاتِ كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ، لَا يصح؛ لأن الطلاق وإن جاز تعلقه بالصفة فهذا الطلاق هاهنا لا يجوز تعليق بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اخْتِيَارًا أَوْ فِرَاقًا، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ بِالصِّفَةِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ الَّذِي قَدْ تَضَمَّنَ اخْتِيَارَ الصِّفَةِ ويتأول قائل هذا الوجه كلام الشافعي هاهنا بِتَأْوِيلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ: " كُلَّمَا أَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ فَقَدِ اخْتَرْتُ فَسْخَ نِكَاحِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُرِيدَ طَلَاقَهَا " فَيَصِحُّ ويقع الطلاق إذا كان زَوْجَاتُهُ فِي الشِّرْكِ أَرْبَعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهَا فَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِذَا أَسْلَمَتْ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مَحْضٌ لَا يَتَضَمَّنُ اخْتِيَارًا فَجَازَ تعليقه بالصفة.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ حِكَايَةٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الزَّوْجِ،