الْأُخْرَى، أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى، فَهَذَا هُوَ الشَّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَبْذُلَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ " وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنَ الرَّاوِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهُوَ نَصٌّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ نَفْسِهِ فهو لعلمه بمخرج الخطاب ومشاهدة الْحَالِ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ مَا وَصَفْنَا فَعَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ بَاطِلٌ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ النَّهْيَ فِيهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الصَّدَاقِ وَعِنْدَهُ أَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ مُوجِبٌ لِفَسَادِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى النِّكَاحِ دُونَ الصَّدَاقِ، وَإِنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ فَصَارَ مَالِكٌ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ مُخَالِفًا فِي مَعْنَى النَّهْيِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: نكاح الشغار جائز والنهي فيه مُتَوَجِّهٌ إِلَى الصَّدَاقِ دُونَ النِّكَاحِ، وَفَسَادُ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ فَصَارَ مُخَالِفًا لِمَالِكٍ فِي الْحُكْمِ مُوَافِقًا لَهُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ.
وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا، وَإِنَّمَا أُبْطِلُهُ إِذَا قَالَ: عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى الصَّدَاقِ وَفَسَادُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقٍ مِنْ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنَّ صَدَاقَهَا طَلَاقُ امْرَأَتِكَ صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ جَعَلَ الصَّدَاقَ بُضْعَ زَوْجَتِهِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَالُوا: وَلِأَنَّكُمْ جَوَّزْتُمُ النِّكَاحَ إذا سمى لهما أو لأحدهما صداقاً فكذلك وإن لم يسميه، لأنه تَرْكَ الصَّدَاقِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ لَا يُوجِبُ فَسَادَهُ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَهُ فَيَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ.
وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّهْيُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْهُ دَلِيلٌ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ فَسَدَ بِالنَّهْيِ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَهُوَ الصَّدَاقُ دُونَ النِّكَاحِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى النِّكَاحِ لِمَا رَوَاهُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عن نكاح الشغار ".