للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ " وَهَذَا نَصٌّ.

وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: اجْلِسِي بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، ثُمَّ دَعَا رَجُلًا فَقَالَ: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكَهَا إِنْ رَضِيتَ فَقَالَ: مَا رَضِيتَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ رَضِيتُ فَقَالَ: " هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ فَقَالَ: " مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " فَقَالَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ: " قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ ".

فَإِنْ قِيلَ: وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ "، أَيْ لِأَجْلِ فَضِيلَتِكَ بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ. قِيلَ عَنْ هَذَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حديدٍ " لِيَكُونَ صَدَاقًا فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ جَعَلَ الْقُرْآنَ بَدَلًا مِنْهُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَدْفَعُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ قَالَ: قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ.

فإن قالوا: هو تَأْوِيلُ مَكْحُولٍ إِنَّ هَذَا خَاصٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الْمُتَزَوِّجَ بِهَا، فَيَصِيرُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ مُزَوِّجًا لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ مَخْصُوصًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ وَإِلَّا كَانَ فِيهِ مُشَارِكًا لِأُمَّتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ: " قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ " مَجْهُولٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً " هِيَ مَجْهُولَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَدَاقًا مَجْهُولًا قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ سَأَلَ الرَّجُلَ عَمَّا مَعَهُ من القرآن فذكر سوراً سماها فقال: زوجكتها بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَعْنِي السُّوَرَ الْمُسَمَّاةَ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " عِشْرِينَ آيَةً " يَعْنِي مِنَ السُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي فِي الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَّلِهَا فَصَارَ الصَّدَاقُ مَعْلُومًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا النَّقْلِ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ صَدَاقًا فَاقْتَصَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ عَنْ نَقْلِ مَا عُرِفَ دَلِيلُهُ مِنْ غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>