قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخُلْعِ أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الصَّدَاقِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خُلْعٌ عَلَى الصَّدَاقِ فَأَوْرَدَهَا فِيهِ.
وَالثَّانِي: لِيُفَرِّقَ بِهَا بَيْنَ مَا عَادَ مِنَ الصَّدَاقِ إِلَى الزَّوْجِ بِالْهِبَةِ وَبَيْنَ مَا عَادَ إِلَيْهِ بِالْخُلْعِ.
وَالْخُلْعُ: عَقْدٌ تَمْلِكُ بِهِ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا، وَيَمْلِكُ بِهِ الزَّوْجُ مَالَ خُلْعِهَا، كَالنِّكَاحِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الزَّوْجُ بُضْعَهَا، وَتَمْلِكُ الزَّوْجَةُ بِهِ صَدَاقَهَا، إِلَّا أَنَّ الزَّوْجَةَ فِي الْخُلْعِ تَقُومُ مَقَامَ الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ، لِأَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْخُلْعِ بُضْعَ نَفْسِهَا كَمَا مَلَكَ الزَّوْجُ بِالنِّكَاحِ بُضْعَهَا، وَالزَّوْجُ فِي الْخُلْعِ يَقُومُ مَقَامَ الزَّوْجَةِ فِي النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْخُلْعِ الْبَدَلَ كَمَا مَلَكَتِ الزَّوْجَةُ بِالنِّكَاحِ الْمَهْرَ.
فَإِذَا خَالَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ عَلَى صَدَاقِهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَالْخُلْعُ بِهِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ خَالَعَهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ أَوْ بِبَعْضِهِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ لَهَا جَمِيعُهُ بِالدُّخُولِ فَخَالَعَتْهُ عَلَى مَا قَدِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُخَالِعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ مِنَ الصَّدَاقِ بِطَلَاقِهِ فِي غَيْرِ الْخُلْعِ نِصْفَهُ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ نِصْفُهُ، لِأَنَّ الْفُرْقَةَ إِذَا وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَوْ وَقَعَتْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ.
وَالْفُرْقَةُ فِي الْخُلْعِ وَإِنْ تَمَّتْ بِهِمَا فَالْمُغَلَّبُ فِيهَا الزَّوْجُ دُونَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَهَا مَعَ غَيْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُخَالِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى جَمِيعِ الصَّدَاقِ، وَهَذَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْخُلْعِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى بَعْضِهِ، وَهُوَ الْمَسْطُورُ هَاهُنَا، فَإِذَا أَصْدَقَهَا أَلْفًا وَخَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى نِصْفِهَا وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَا بَقِيَ فَعَلَيْهِ نِصْفُهُ، فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ الْخَمْسَمِائَةَ الَّتِي خَالَعَهَا عَلَيْهَا يَكُونُ الْخُلْعُ مِنْهَا عَلَى نِصْفِهَا وهو مئتان وَخَمْسُونَ، وَنِصْفُهَا يَمْلِكُهُ بِطَلَاقِهِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مِنَ الصَّدَاقِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ يَمْلِكُ نِصْفَهُ بِطَلَاقِهِ وَهُوَ مئتان وخمسون ويبقى عليه نصفه وهو مئتان وَخَمْسُونَ يَسُوقُهُ إِلَيْهَا.
وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ جَمِيعَ النِّصْفِ بِالْخُلْعِ، وَيَمْلِكَ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَاقِ شَيْءٌ.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: