فَرَضْتُمْ} فإن احتج محتجٌ بالأثر عن عمر رضي الله عنه في إغلاق الباب وإرخاء الستر أنه يوجب المهر فمن قول عمر ما ذنبهن لو جاء بالعجز من قبلكم؟ فأخبر أنه يجب إذا خلت بينه وبين نفسها كوجوب الثمن بالقبض وإن لم يغلق باباً ولم يرخ ستراً ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا؛ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الْمُسَمَّى لَهَا صَدَاقًا مَعْلُومًا، فَلَا يَخْلُو حَالُ طَلَاقِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ، وَلَيْسَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا نِصْفُهُ، وَمَلَكَ الزَّوْجُ نِصْفَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) {البقرة: ٢٣٧) .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِوَطْءٍ تَامٍّ تَغِيبُ بِهِ الْحَشَفَةُ، فَقَدِ اسْتَقَرَّ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ الَّذِي كَانَتْ مَالِكَةً لَهُ بِالْعَقْدِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) {النساء: ٢١) .
وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِهَا وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لَهَا، فَقَدِ اختلف الفقهاء فيه على ثلاث مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْمَعْمُولُ عَلَيْهِ مِنْ مَذْهَبِهِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مِنَ الْمَهْرِ إِلَّا نِصْفَهُ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ فِي كَمَالِ مَهْرٍ وَلَا إِيجَابِ عِدَّةٍ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ: الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: أَبُو ثَوْرٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّ الْخَلْوَةَ كَالدُّخُولِ فِي كَمَالِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ: الزُّهْرِيُّ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ؛ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.
إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الْخَلْوَةَ التامة في كمال المهر ووجوب العدة بأن لا يَكُونَا مُحْرِمِينَ وَلَا صَائِمِينَ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْخَلْوَةَ يَدٌ لِمُدَّعِي الْإِصَابَةِ مِنْهُمَا فِي كَمَالِ الْمَهْرِ أَوْ وُجُوبِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَاهَا لَمْ يُكْمَلْ بِالْخَلْوَةِ مَهْرٌ وَلَا يَجِبُ بِهَا عِدَّةٌ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ في الإملاء.