للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَاسْتَحَقَّ بِهِ الْعِوَضَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِوَضَ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْقِدَاهُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ كَقَوْلِهِ قَدْ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ، أَوْ فَادَيْتُكِ بِأَلْفٍ، فَهَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ عِوَضٍ فَتَجْرِي مَجْرَى سَائِرِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فَأَمَّا مَعَ الْعِوَضِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ إِنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ كِنَايَةً فِيهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَ كِنَايَةً فِيهِ مَعَ الْعِوَضِ كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ إنَّهُ صَرِيحٌ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ جَاءَ بِهِ كَمَا جَاءَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بِالنَّصِّ صَرِيحًا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْكِنَايَاتِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ اقْتِرَانَ الْعِوَضِ بِهِ قَدْ نَفَى عَنْهُ احْتِمَالَ الْكِنَايَاتِ، فَصَارَ بِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ عَنْهُ صَرِيحًا، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ صَرِيحًا فَهَلْ يَكُونُ طَلَاقًا أَوْ فَسْخًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي (الْأُمِّ) و (الإملاء) (وأحكام الْقُرْآنِ) أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ.

وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حتى تنكح زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] .

فَلَمَّا ذَكَرَ الْخُلْعَ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ عُلِمَ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَمْلِكُهُ غَيْرُ الزَّوْجِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ مَا كَانَ عَنْ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَالْعُيُوبِ وَالْخُلْعُ يَكُونُ مُبْتَدَأً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَكَانَ طَلَاقًا لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ فَسْخًا لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ سَبَبٍ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الْبَدَلِ كَالْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ، فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ فَسْخًا لَمَا جَازَ إِلَّا بِالصَّدَاقِ، وَفِي جَوَازِهِ بِالصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ دَلِيلُ خُرُوجِهِ عَنِ الْفَسْخِ وَدُخُولِهِ فِي الطَّلَاقِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْفَسْخِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>