أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - إِنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهَا، لِأَنَّ وَكَالَتَهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْعَقْدِ دُونَ غَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ جَحَدَتْ وَكَالَتَهُ لَمْ يُؤْخَذِ الْوَكِيلُ بِالْغُرْمِ وَلِلزَّوْجِ إِحْلَافُهَا دُونَ الْوَكِيلِ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ بَائِنًا، إِنْ أَكْذَبَهَا فِي الْجُحُودِ، وَرَجْعِيًّا إِنْ صَدَّقَهَا عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ - أَنَّ الْوَكِيلَ مَأْخُوذٌ بِاسْتِيفَاءِ الْمَالِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ عَقْدِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ جَحَدَتْهُ الْوَكَالَةَ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ لِجُحُودِهَا لَهُ، وَكَانَ لَهُ إِحْلَافُ الزَّوْجَةِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا سَوَاءً أَكْذَبَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْجُحُودِ أَوْ صَدَّقَهَا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْمَالِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ شَرَطَ الْوَكِيلُ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ ضَامِنًا بِالْعَقْدِ، وَهَلْ تَضْمَنُهُ الزَّوْجَةُ بِالْعَقْدِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: تَكُونُ ضَامِنَةً لَهُ بِالْعَقْدِ لِأَجْلِ إِذْنِهَا فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهَا بِالْمَالِ قَبْلَ غُرْمِهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ الزَّوْجُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَخَذَ الزَّوْجُ بِهِ عِوَضًا مِنَ الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَيْهَا بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ دُونَ قِيمَةِ الْعِوَضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ ضَامِنَةً لَهُ بِالْعَقْدِ لِانْقِضَاءِ حَدِّهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهَا بِالْمَالِ قَبْلَ غُرْمِهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ الزَّوْجُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا وَإِنْ أَخَذَ الزَّوْجُ بِهِ عِوَضًا مِنَ الْوَكِيلِ رَجَعَ عَلَيْهَا الْوَكِيلُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْعِوَضِ أَوِ الْمُسَمَّى.
فَأَمَّا إِذَا أَطْلَقَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ فَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي ذِمَّتِهَا وَلَا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِإِطْلَاقِهِ بِعَقْدٍ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ مَضْمُونًا عَلَى الزَّوْجَةِ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ، لِتَقَدُّمِ إِذْنِهَا لَهُ بما أوجب ضَمَانَهُ، وَهَلْ يَكُونُ ضَامِنَهُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهُ لِلزَّوْجِ لِنِيَابَةِ الْوَكِيلِ عَنْهَا فِيهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا بَيْنَ مُطَالَبَتِهَا، وَمُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا، بِذَلِكَ قَبْلَ غُرْمِهِ لِارْتِهَانِ ذِمَّتِهَا بِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ ضَامِنَةٍ لَهُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَوَلَّ الْعَقْدَ، وَلَا سُمِّيَتْ فِيهِ فَعَلَى هَذَا لِلزَّوْجِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهَا وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرْمِ، فَهَذَا حُكْمُ الْخُلْعِ عَنْهَا مُعَجَّلًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَهَذَا الْحُكْمُ لَوْ خَالَعَ عَنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ غَالِبِ النَّقْدِ لِأَنَّهُ إِذَا لَزِمَهَا الْخُلْعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَانَ بِمَا دُونَهُ أَلْزَمَ، وَهَكَذَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ مُؤَجَّلًا جَازَ، وَلَزِمَهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَلْزَمَهَا بِالْمُعَجَّلِ كَانَ بِالْمُؤَجَّلِ أَلْزَم، وَلِأَنَّ لَهَا تَعْجِيلَ الْمُؤَجَّلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute