الزَّوْجِ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهَا طَالِقٌ، وَلَمْ يُقَلْ لِلزَّوْجِ: إِنَّهُ طَالِقٌ، وَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ حُكْمُ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ، فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَلَا تَقَعُ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الحكم يقتضي ثبوت الاسم، وانتقاء الِاسْمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّ انْتِفَاءَ اسْمِ الزَّوْجِيَّةِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ حُكْمِهَا وَثُبُوتَ اسْمِهَا يُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا، قَالَ: وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَانَ مَحَلًّا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ، لَكَانَ صَرِيحُ الطَّلَاقِ فِيهِ صَرِيحًا، وَلَكَانَ حُكْمُهُ بِهِ مُتَعَلِّقًا فَلَمَّا انْتَفَى عَنْهُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ مِنَ الطَّلَاقِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ: أَنَا طَالِقٌ مِنْكِ، كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: أَنَا حُرٌّ مِنْكَ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا عِتْقًا، لَمْ يكن هذا طلاقاً، قال: ولأن الطلاق هو الإطلاق مِنَ الْحَبْسِ، وَالزَّوْجَةُ مَحْبُوسَةٌ عَنِ الْأَزْوَاجِ. فَجَازَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالزَّوْجُ غَيْرُ مَحْبُوسٍ بِهَا عَنِ الزَّوْجَاتِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، سَأَلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تَرَى أَنْتَ، فَقَالَ: أَرَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَزَوْجُهَا أَحَقُّ بِهَا، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِجْمَاعِهِمَا عَلَى أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ كِنَايَةٌ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَجَازَ أَنْ تَقَعَ الْفُرْقَةُ، بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّ مَا صَلَحَ أَنْ تَقَعَ بِهِ الْفُرْقَةُ إِذَا وَقَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ، جَازَ أَنْ تَقَعَ بِهِ الْفُرْقَةُ إِذَا وَقَعَ عَلَى الزَّوْجِ، كَالتَّحْرِيمِ وَالْبَيْنُونَةِ، وَلِأَنَّ مَنْ صَحَّ إِضَافَةُ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ إِلَيْهِ صَحَّ إِضَافَةُ صَرِيحِهِ إِلَيْهِ، كَالزَّوْجَةِ طَرْدًا وَكَالْأَجْنَبِيَّةِ عَكْسًا.
وَالِاسْتِدْلَالُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ هُوَ: أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ أَقْوَى مِنْ كِنَايَتِهِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ فِي الزوج كان وقوعها بصريحة بها أولى.
فأما استدلاله بحيث ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ خَالَفَ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَقَوْلُ الِاثْنَيْنِ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِانْتِفَاءِ الِاسْمِ عَنِ الزَّوْجِ أَوْجَبَ انْتِفَاءَ حُكْمِهِ فَبَاطِلٌ بِقَوْلِهِ: أَنَا بَائِنٌ مِنْكِ، وَحَرَامٌ عَلَيْكِ، عَلَى أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَإِنِ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالِاسْمِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَرِيحُ الطَّلَاقِ فِيهِ صَرِيحًا وَلَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِدَّةُ لم يكن محالاً لَهُ. فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي حَقِيقَتِهِ صَرِيحًا. لِأَنَّ الصَّرِيحَ مَا اقْتَرَنَ بِهِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالَ عِنْدَهُمْ وَعُرْفُ الْقُرْآنِ عِنْدَنَا وَلَمْ يَتَنَاوَلْ جِهَةَ الزَّوْجِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ وَعُرْفُ الْقُرْآنَ، فَكَانَ صَرِيحًا، وَقَدْ تَنَاوَلَهُ فِي جِهَةِ الزَّوْجَةِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ وَعُرْفُ الْقُرْآنِ فَكَانَ صَرِيحًا.
وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَةُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ ذَلِكَ، فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute