للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا طُلِّقَتْ، مُقَدَّرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ، وَإِنْ طَلَّقَ عُضْوًا مِنْهَا، طُلِّقَتْ بِخَمْسَةِ أَعْضَاءٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: رَأْسُكِ طَالِقٌ أَوْ ظَهْرُكِ طَالِقٌ، أَوْ وَجْهُكِ طَالِقٌ، أَوْ رَقَبَتُكِ طَالِقٌ أَوْ فَرْجُكِ طَالِقٌ، وَلَا تُطَلَّقُ بِغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ: يَدُكِ طَالِقٌ وَرِجْلُكِ طَالِقٌ، وَشَعْرُكِ طَالِقٌ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْخَمْسَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِلَّةُ فِيهَا أنها أعضاء لا يحيى بقطعها، واليد والرجل يحيى بِقَطْعِهَا، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ إِنَّ الْعِلَّةَ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْخَمْسَةِ عَنْ جُمْلَتِهَا، وَلَا يُعَبَّرُ بِغَيْرِهَا عنها، أما الوجه قوله تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] . وَأَمَّا الرَّأْسُ فَلِقَوْلِهِمْ: عِنْدِي كَذَا رَأْسٍ مِنَ الرَّقِيقِ، وَأَمَّا الظَّهْرُ فَلِقَوْلِهِمْ: عِنْدِي مِنَ الظَّهْرِ كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا الرَّقَبَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] .

وَأَمَّا الْفَرْجُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَكِبَتِ الْفُرُوجُ الشُّرُوجَ) .

وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِطَلَاقِ مَا سِوَاهَا، بِأَنَّهُ جُزْءٌ يَصِحُّ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَعَ فَقْدِهِ، فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهِ لَمْ يُطَلَّقْ بِهِ كَالدَّمِ وَاللَّحْمِ.

قَالَ: وَلِأَنَّ صِحَّةَ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِالْقَوْلِ، فَلَمْ يَصِحَّ إِيقَاعُهُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْفُرْقَةِ فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِبَعْضِ مُعَيَّنٍ كَالْفَسْخِ.

وَدَلِيلُنَا: أَنَّهُ طَلَّقَ جُزْءًا اسْتَبَاحَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ، إِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ كَالْجُزْءِ الشَّائِعِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْنَى فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، أَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، فَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ، وَالْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ.

قِيلَ: لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الطَّلَاقِ بِالْبَيْعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقِفُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ وَلَا يَسْرِي إِلَى غَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ يَسْرِي، فَوَقَعَ عَلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ، وَالشَّائِعِ جَمِيعًا لِسَرَايَتِهَا إِلَى الْجَمِيعِ، فَإِنْ قِيلَ فَالْجُزْءُ الْمُشَاعُ هُوَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَجَازَ أَنْ يَسْرِيَ، وَالْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ لَيْسَ بِشَائِعٍ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْرِيَ قِيلَ إِذَا جَازَ أَنْ يَسْرِيَ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إِلَى جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ جَازَ أَنْ يَسْرِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ الْمُعَيَّنِ إِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْعُضْوُ تَابِعٌ لِلْجُمْلَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْرِيَ حُكْمُ التَّابِعَ إِلَى الْمَتْبُوعِ، كَمَا لَا يَسْرِي عِتْقُ الْحَمْلِ إِلَى الْحَامِلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ، وَيَسْرِي عِتْقُ الْحَامِلِ إِلَى الْحَمْلِ، لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، قِيلَ الْعُضْوُ تَابِعٌ لِلنَّفْسِ فَلِذَلِكَ دَخَلَتْ دِيَاتُ الأطراف في دية النفس،

<<  <  ج: ص:  >  >>