للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني لا يقع عليها الطلاق في حال الْبَيْنُونَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إِذَا مُتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تُطَلَّقْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْمَوْتِ، فَلَمْ تُطَلَّقْ بِالْمَوْتِ.

وَحَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلًا ثَانِيًا فِي الْإِمْلَاءِ، أَنَّهَا تُطَلَّقُ بِالثَّانِي أُخْرَى وَتَنْقَضِي بِهِ الْعُدَّةُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِي الثَّانِي كَوُجُودِهَا فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْبَيْنُونَةُ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، كَالَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا تَخْرِيجَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّنِي لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمَالِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ابْنُ خَيْرَانَ مَنْ وقف على أمالي الشافعي قبله، فلم يحكيه مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْنُ خَيْرَانَ مَنْسُوبًا فِي حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحِجَاجَ يُبْطِلُهُ وَهُوَ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ لَمْ تُطَلَّقْ إِجْمَاعًا لِأَنَّ مَا بِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَتْ بِهِ الْبَيْنُونَةُ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا حَكَّاهُ ابْنُ خَيْرَانَ مَحْمُولَا عَلَى أَنَّهَا وَضَعَتْهُمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَطُلِّقَتْ بِهِمَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ، وَلَوْ وَضَعَتْهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ وَاحِدَةً، وَلَمْ تَنْقَضِ به الْعِدَّةُ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي، وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّفْرِيعُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَضَعَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ، فَإِنْ وَضَعَتْهُمْ مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ طلقت بهم ثلاثاً، وانقضت عدتها بالأقراء، ولو وَضَعَتْهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلَ وَاحِدَةً وَبِالثَّانِي ثَانِيَةٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ، وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ وَحْدَهُ طَلْقَةً.

قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا قَبْلَ وَضْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ فَيَكُونُ لُحُوقُهُمَا بِهِ، كَمَنْ وَضَعَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عَدَّتِهَا عَلَى مَا سَنُفَصْلهُ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُمْتَنِعُ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَنِ الثَّالِثِ فَتُعَلَّقُ وَيَكُونُ بَاقِيه فِي عِدَّتِهَا إِلَى وَضْعِهِ، فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِمَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَجْهٌ، وَنُظِرَ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ وَكَانَ لَاحِقًا بِالزَّوْجِ، وَصَارَ الثَّالِثُ مَوْلُودًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَيَكُونُ لُحُوقُهُ عَلَى مَا سَنُفَصْل فِي الْمَوْلُودِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُمَا مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى هَذَا تُطَلَّقُ بِالثَّانِي ثَانِيَةً وَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ لِبَقَاءِ الْحَمْلِ، تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالثَّالِثِ، وَلَا تُطَلَّقُ بِهِ وَيُلْحَقَانِ بِالزَّوْجٍ كَالْأَوَّلِ. وَلَوْ وَضَعَتْ أَرْبَعَةَ أَوْلَادٍ نُظِرَ، فَإِنْ وَضَعَتْهُمْ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، طُلِّقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا تَقَعُ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>