للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: هُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة أَنَّ الْأَذَانَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِإِثْبَاتِ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعِ فِي أَوَّلِهِ وَإِسْقَاطِ تَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ، فَصَارَ مَالِكٌ مُوَافِقًا لَنَا فِي التَّرْجِيعِ مُخَالِفًا فِي التَّكْبِيرِ، وَصَارَ أبو حنيفة مُوَافِقًا لَنَا فِي التَّكْبِيرِ مُخَالِفًا فِي التَّرْجِيعِ.

وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَنَّهُ أَصْلُ الْأَذَانِ، وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فَتَرَكَ التَّرْجِيعَ وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا بِهِ فَكَانَ يُؤَذِّنُ كَذَلِكَ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِمَشْهَدِهِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِلصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّرْجِيعُ غَيْرَ مَسْنُونٍ فِيهِ كَالْإِقَامَةِ قَالَ: وَلِأَنَّ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ إِذَا تَعَقَّبَتِ التَّكْبِيرَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الشَّطْرِ مِنْ عَدَدِ ذَلِكَ التَّكْبِيرِ.

أَصْلُهُ: آخِرُ الْأَذَانِ يُكَبَّرُ فِيهِ مَرَّتَيْنِ وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلِأَنَّ لَفْظَ الْأَذَانِ إِذَا كَانَ مَسْنُونَ التَّكْرَارِ أَرْبَعًا كَانَ مَسْنُونَ الْمُوَالَاةِ كَالتَّكْبِيرَاتِ الْأُولَى.

وَدَلِيلُنَا: رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ حِينَ جَهَّزَهُ إِلَى الشَّامِ قال: قلت لأبي محذورة أي عم إِنِّي خَارِجٌ إِلَى الشَّامِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ عَنْ تَأْذِينِكَ فَأَخْبِرْنِي قَالَ: نَعَمْ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى غَزَاةِ خَيْبَرَ خَرَجْنَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ فَأَذَّنَ مؤذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ وَنَسْتَهْزِئُ بِهِ فَلَمْ يُرْسِلْ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلا وقد أخذونا وهبوا بِنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعْتُ صَوْتَهُ مُرْتَفِعًا فَأَشَارَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ إِلَيَّ وَصَدَقُوا فَأَرْسَلَهُمْ وَحَبَسَنِي وَقَالَ: قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ فَقُمْتُ وَمَا شَيْءٌ أَكْرَهُ إِلَيَّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَلْقَى عَلَيَّ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى أَنْ قَالَ لِيَ ارْجِعْ وَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ، ثُمَّ دَعَا لِيَ وَأَعْطَانِي صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى نَاصِيَتِي، وَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِالتَّأْذِينِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: قَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ كَرَاهِيَةٍ وَعَادَ ذَلِكَ مَحَبَّةً، قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأَدْرَكْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ كَمَا حَكَى ابْنُ مُحَيْرِيزٍ ".

وَرَوَى [مُحَمَّدُ] بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ الْقَرَظِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ بِلَالًا بِالتَّرْجِيعِ.

وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ الْقَرَظِ أَذَّنَ وَرَجَّعَ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ، وَلِأَنَّهُ سُنَّةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ يَنْقُلُهُ خَلْفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَأَصَاغِرُهُمْ عَنْ أَكَابِرِهِمْ، مِنْ غَيْرِ تَنَازُعٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا اخْتِلَافٍ فِيهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلَ الْإِجْمَاعِ وَحُجَجِ الِاتِّفَاقِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ ذِكْرٍ فِي الْأَذَانِ قَبْلَ الدُّعَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ السُّنَّةِ تَكْرَارُهُ أَرْبَعًا، كَالتَّكْبِيرِ فَأَمَّا حَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>