قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ الَّذِي قَدْ مَلَكَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالْحُرُّ يَمْلِكُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَيُرَاجِعُ بَعْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَلَا يُرَاجِعُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَالْعَبْدُ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ فَيُرَاجِعُ بَعْدَ الْأُولَى وَلَا يُرَاجِعُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَوْفِي بِالثَّانِيَةِ عَدَدَ طَلَاقِهِ كَمَا يَسْتَوْفِيهِ الْحُرُّ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَإِذَا افْتَرَقَا حُكْمُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَاسْتِحْقَاقِ الرَّجْعَةِ فِيهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِهِ لَا بِحَالِ الزَّوْجَةِ فَيَتَمَلَّكُ الْحُرُّ ثَلَاثًا سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَيَمْلِكُ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَائِشَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالثَّوْرِيُّ: الطَّلَاقُ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، فَالْحُرَّةُ تُمَلِّكُ زَوْجَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، وَالْأَمَةُ تُمَلِّكُ زَوْجَهَا طَلْقَتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَحَكَوْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] . وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرَّةُ لِقَوْلِهِ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ عليهما مما افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] .
وَذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَفْتَدِي نَفْسَهَا بِمَا شَاءَتْ، وَقَدْ جعل طلاقها ثلاثة ولم تفرق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِمَا وَبِرِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أٍسلم عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) فَجَعَلَ طَلَاقَهَا مُعْتَبَرًا بِهَا كَالْعِدَّةِ.
وَلِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا لِلنِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ يَخْتَلِفُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ مُعْتَبَرًا بِالْمُوقَعِ عَلَيْهِ كَالْحُدُودِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] . وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ لِقَوْلِهِ مِنْ بَعْدُ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٢٩] . وَذَلِكَ خِطَابٌ لِلْحُرِّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ قَدْ خَالَعَتْ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ مِنْهُمَا.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْنَى وَهُوَ عِلَّةُ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ ذُو عَدَدٍ مَحْصُورٍ لِلزَّوْجِ إِزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهُ بِعِوَضٍ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كَمَالُهُ وَنُقْصَانُهُ بِالزَّوْجِ.
أَصْلُهُ عَدَدُ الْمَنْكُوحَاتِ فَإِنَّ الْحُرَّ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَالْعَبْدَ اثْنَتَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute