للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُقُّ الزَّوْجَةِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِالرَّجْعَةِ، لِأَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِهَا فَطَالَبَتْهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَجْلِ وَطْئِهِ فَأَنْكَرَ وُجُوبَ الْمَهْرِ بِمَا أَقَرَّ مِنَ الرجعة قبل وطئه أحلف عَلَى رَجْعَتِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ دَعْوَاهَا بِإِنْكَارِهِ.

فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَقَالَ الزَّوْجُ: رَاجَعْتُكِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلَا يَخْلُو إِنْكَارُهَا لَهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَجْحَدَهُ الرَّجْعَةَ، وَإِمَّا أَنْ تُقِرَّ بِهَا وَتَدَّعِيَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ قَبْلَهَا، فَإِنْ جَحَدَتْ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَاجَعَهَا قَبْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا فِي الظَّاهِرِ بِالطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَمْ يُقْبَلْ دَعْوَى الزَّوْجِ فِيمَا يُخَالِفُهُ مَعَ بَقَاءِ عِصْمَتِهِ، وَإِنِ اعْتَرَفَتْ لَهُ بِالرَّجْعَةِ إِلَّا أَنَّهَا أَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ فِي الْعِدَّةِ، وَادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَالَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَا رَجْعَةَ، وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ بعد تقدم إسلام الزوجة، ثم اختلف فَقَالَ: أَسْلَمْتِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِكِ فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ، وَقَالَتِ الزَّوْجَةُ: بَلْ أَسْلَمْتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِي فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ، وَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَقَدْ حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ مُتَقَدِّمٌ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا دُونَهُ، لِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُتَعَذَّرٌ وَإِقَامَتَهَا عَلَى الرَّجْعَةِ مُمْكِنَةٌ، فَلِذَلِكَ غَلَبَ قَوْلُهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَقَدُّمِ الرَّجْعَةِ لِتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَتِهَا وَإِمْكَانِهَا مِنْ جِهَتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي تَقَدُّمِ الرَّجْعَةِ دُونَهَا، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ فِعْلِهِ وَصَادِرَةٌ عَنِ اخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَنْ فِعْلِهَا وَلَا صَادِرَةً عَنِ اخْتِيَارِهَا فَكَانَ قَوْلُهُ فِيهَا أَمْضَى وَدَعَوَاهُ فِيهَا أَقْوَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مِنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى فَإِنْ سَبَقَتِ الزَّوْجَةُ بِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدِ انْقَضَتْ وَاسْتَقَرَّ قَوْلُهَا فِي الْبَيْنُونَةِ ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ يَدَّعِي تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا بِاللَّهِ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ، فَيَكُونُ يَمِينُهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَإِنْ سَبَقَ دَعْوَى الزَّوْجِ بِأَنَّهُ قَدْ رَاجَعَ زَوْجَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَاسْتَقَرَّ قَوْلُهُ فِي الرَّجْعَةِ ثُمَّ جَاءَتِ الزَّوْجَةُ فَادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قَبْلَ رَجْعَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ فِيمَا سَبَقَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>