إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُمْ إِلَى مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، وإن جاء مَوْتُهُمَا قَبْلَهَا فَحُكِمَ بِالظَّاهِرِ.
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمَا لَوْ أَطْلَقَا ذَلِكَ عَلَى الْأَبَدِ لَا تُقَدَّرُ بِمُدَّةِ حَيَّاتِهِمَا، فَعَلَى هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ حَتَّى يَمُوتَ زَيْدٌ، فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ فِي مَرَضٍ مُخَوِّفٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُولِيًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ، مَوْتُهُ قَبْلَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِأَمَارَاتِ الْمَوْتِ بِحُدُوثِ الْخَوْفِ وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ صَحِيحًا أَوْ فِي مَرَضٍ غَيْرِ مُخَوِّفٍ، فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ بَقَائِهِ إِلَى مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَعَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا لَا فِي الظَّاهِرِ وَلَا فِي الْبَاطِنِ لِتَرَدُّدِ حَالِهِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْبَقَاءِ، وَإِنَّ إِيلَاءَ الزَّوْجَيْنِ لَوْ كَانَ مُطْلَقًا لَمْ يَتَقَدَّرْ بِمَوْتِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إِنْ أَصَبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ كَانَ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمُوتَ عَبْدُهُ أَوْ يَبِيعَهُ قَبْلَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا، لَكِنْ عَلَيْنَا حُكْمُ الظَّاهِرِ، مَعَ جَوَازِ خِلَافِهِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا اخْتَلَفَ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ فَيُنْظَرُ غَيْبَةُ زَيْدٍ فَإِنْ كَانَ بِمَكَانٍ مَسَافَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَالصِّينِ كَانَ بِهِ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ بِمَكَانٍ مَسَافَتُهُ أَقَلُّ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُولِيًا، لِجَوَازِ قُدُومِهِ قَبْلَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ سَوَاءٌ قدم قبلها أولاً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ غَيْبَةَ زَيْدٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُولِيًا أَيْضًا لِجَوَازِ قُدُومِهِ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَكَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ حَتَّى تَحْبَلِي، فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَحْبَلَ قَبْلَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِصِغَرِهَا أَوْ لِإِيَاسِهَا فَيَكُونَ بِذَلِكَ مُولِيًا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ تَحْبَلَ فِي الْحَالِ لِكَوْنِهَا بَالِغَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَلَا يَكُونَ بِذَلِكَ مُولِيًا لِإِمْكَانِ حَبَلِهَا وَتَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ فِيهِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ مُرَاهِقَةً لِجَوَازِ أَنْ يَتَعَجَّلَ بُلُوغُهَا فَتَحْبَلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ بُلُوغُهَا فَلَا تَحْبَلَ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُ الْبُلُوغِ، وَتَأَخُّرُهُ مَانِعٌ مِنَ الْحَبَلِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بُلُوغُ الْمُرَاهِقَةِ مُمْكِنٌ كَمَا أَنَّ حَبَلَ الْبَالِغَةِ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ بِأَغْلَبَ مِنَ الْآخَرِ، وَإِذَا أَمْكَنَ بُلُوغُهَا أَمْكَنَ حَبَلُهَا.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ إِرَادَتِهِ: كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ حَتَّى تَفْطِمِي وَلَدَكِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ قَطْعَ الرَّضَاعِ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ فِي الْحَالِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute