طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ كَالْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ مَا صَحَّ مِنَ الْمُسْلِمِ فِي زَوْجَتِهِ صَحَّ مِنَ الْكَافِرِ كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُخْتَصَّةَ بِالنِّكَاحِ خَمْسَةٌ: الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَالْعِدَّةُ وَالنَّسَبُ فَلَمَّا تَسَاوَى الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي سَائِرِهَا وَجَبَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الظِّهَارِ. . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يظاهرون منكم من نسائهم} فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ يَخُصُّ الْمُسْلِمَ وَالَّتِي بَعْدَهَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ يَعُمُّ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَإِنْ خَصَّتِ الْمُسْلِمَ نُطْقًا فَقَدْ عَمَّتِ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ حُكْمًا إِمَّا تَنْبِيهًا وَإِمَّا قِيَاسًا كَمَا قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] فَكَانَ الْكَافِرُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ الله لعفو غفور} . فهذا القول بالكافر أخص وليس إذا قال بالكفر منكراً وزوراً لم يقل بالظهار منكرا وزوراً. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا يَقُولُهُ بِالْكُفْرِ مِنَ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ أَعْظَمُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَبِأَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِالظِّهَارِ أَوْلَى قِيلَ: إِذَا لَمْ تَجِبِ الْكَفَّارَةُ بِأَغْلَظِ الْمُنْكَرَيْنَ لَمْ تَجِبْ بِأَخَفِّهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ رِدَّةَ الْمُسْلِمِ إِذَا تَابَ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنْ ظِهَارِهِ وَلَا يَدُلُّ سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ فِي رِدَّتِهِ عَلَى سُقُوطِهَا عَنْهُ فِي ظِهَارِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَإِنَّ اللَّهَ لعفو غفور} فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَفُوٌ عَنِ الْكَفَّارَةِ بِقَبُولِهَا إِذَا أُدِّيَتْ
وَالثَّانِي: عَفُوٌ إِنْ أَسْلَمَ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا عِتْقُ مُسْلِمٍ عِنْدَكُمْ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مُسْلِمًا فَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يُجْزِئُ عِتْقُ كَافِرٍ وَهُوَ يَمْلِكُ كَافِرًا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ مِنْهُ عِتْقُ مُسْلِمٍ إِذَا وَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَافِرًا فِي يَدِهِ فَيُسْلِمُ فِي مِلْكِهِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُسْلِمِ أَعْتِقْ عَنِّي عَبْدَكَ هَذَا الْمُسْلِمَ فَيُجْزِئُ، وَقَوْلُهُمْ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ فِيهَا لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ إِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الصَّوْمُ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ. وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ: فَالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَفِي الْكَفَّارَةِ مَعَ التَّعَبُّدِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ.
وَقَوْلُهُمْ: (إِنَّهَا تَغْطِيَةٌ لِلذَّنْبِ وَتَكْفِيرٌ لِلْمَأْثَمِ) فَهِيَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَةٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا) . فَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَةٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ بِنَاءِ الظِّهَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أحدهما: انتفاضه بِالْمُرْتَدِّ يَصِحُّ مِنْهُ الظِّهَارُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّكْفِيرُ. إِذَا لَمْ يَعُدْ فِيهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِهِ لِجَوَازِ خُلُوِّهِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ التَّكْفِيرَ يَصِحُّ مِنْهُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute