أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأُمَّ أَغْلَظُ حُرْمَةً فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَاوِيَهَا غَيْرُهَا فِي الْحُكْمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالنَّصِّ التَّنْبِيهَ لَنَصَّ عَلَى الْأَدْنَى لِيُنَبِّهَ عَلَى الْأَعْلَى وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْأَعْلَى وَهُوَ الْأُمُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَدْنَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ صَارَ بِهَذَا التَّحْرِيمِ قَائِلًا مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا كَالْأُمِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا كَالتَّشْبِيهِ بِالْأُمِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي الْأُمِّ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْأَنْسَابِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ الْأَزَلِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ بِاسْتِبَاحَتِهِ فَصَارَ مُظَاهِرًا بِهِ كَالْأُمِّ.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ بِالْأَسْبَابِ فَضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: سَبَبٌ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَخَالَتِهَا وَعَمَّتِهَا يَحْرُمْنَ مَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَتِهِ فَإِذَا فَارَقَهَا حَلَلْنَ لَهُ فَلَا يَكُونُ بِتَشْبِيهِ زَوْجَتِهِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُظَاهِرًا فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِ زَوْجَتِي، أَوْ كَظَهْرِ خَالَتِهَا، أَوْ كَظَهْرِ عَمَّتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ ظَهْرَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجَتِهِ وَلَا يَحْرُمْنَ عَلَيْهِ بَعْدَ فِرَاقِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِنَّ التَّحْرِيمُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: سَبَبٌ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ وَذَلِكَ شيئان الرضاع والمصاهرة وتحريمها عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَزَلِيٌّ وَطَارِئٌ فَأَمَّا الطَّارِئُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَنْ يَحْدُثَ التَّحْرِيمُ بِهِمَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. مِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ: أَنْ تَرْتَضِعَ صَبِيَّةٌ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَتَصِيرُ أُخْتًا مُحَرَّمَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً. وَمِثَالُهُ فِي الْمُصَاهَرَةِ: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبُوهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ تَكُونَ بِنْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ أُمَّ زَوْجَتِهِ فَتَصِيرُ مُحَرَّمَةً بِالْمُصَاهَرَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً، فَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إِذَا شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِأَحَدِ هَؤُلَاءِ وَكَذَلِكَ إِذَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ لا لَاعَنَ مِنْهَا؟ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ طَرَأَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَخَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ التَّحْرِيمِ فِي الِانْتِهَاءِ لِخُرُوجِهِ عَنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ.
وَأَمَّا الْأَزَلِيُّ: فَمِثَالُهُ فِي الرَّضَاعِ: أَنْ تَرْتَضِعَ صَبِيَّةٌ مِنْ أُمِّهِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ فَلَا يُوجَدُ إِلَّا وَالتَّحْرِيمُ مَوْجُودٌ. وَمِثَالُهُ فِي الْمُصَاهَرَةِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبُوهُ امْرَأَةً قَبْلَ وِلَادَتِهِ ثُمَّ يُولَدُ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يُوجَدُ إِلَّا وَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ مَوْجُودٌ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْأَنْسَابِ، فَإِنْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِوَاحِدَةٍ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِهَا هَلْ يَكُونُ مُظَاهِرًا أَمْ لَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ تَحْرِيمُ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَاعْتَبِرْهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ طُرُوئِهِ أَوْ أَزَلِيَّتِهِ فَلَا تَجْعَلْهُ مُظَاهِرًا بِهِ إِنْ كَانَ طَارِئًا وَاجْعَلْهُ مُظَاهِرًا بِهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ إِنْ كَانَ أَزَلِيًّا، وَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَقَدْ فَصَّلَهُ المزني
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute