إِعَادَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عُجْرَةَ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ وَكَانَ إِذَا أَخَذَهُ لَمَمُهُ ذَهَبَ لِيَخْرُجَ فَتَمْنَعُهُ فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ لَمْ تُرْسِلِينِي لَأَجْلِدَنَّكِ مِائَةً فَنَزَلَ فِيهِمَا قُرْآنُ الظِّهَارِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِالْمُنْكَرِ الزُّورِ وَالظِّهَارُ هُوَ الْمُنْكَرُ وَالزُّورُ دُونَ الْعَوْدِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنِ الظِّهَارِ فَكَانَ الْعَوْدُ فِيهِ هُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ كَمَا قَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥] يَعْنِي إِلَى فِعْلِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَكَمَا قَالَ في الربا (عفا الله عما سلف) فَإِنْ عَادَ يَعْنِي إِلَى ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ قَدْ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُقِلَ حُكْمُهُ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُعْتَبَرًا بِلَفْظِهِ كَالطَّلَاقِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: ٣] فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةً بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الظِّهَارُ وَالْآخَرُ الْعَوْدُ فَاقْتَضَى أَنْ لَا تَجِبَ بِأَحَدِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَيُحْمَلُ عَلَى الْعَوْدِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ تَقَدُّمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
قِيلَ: لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا لَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وَفِي ذِكْرِهِ بِاللَّفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا التَّأْوِيلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَمَا لَزِمَتِ الْكَفَّارَةُ فِي الظِّهَارِ إِلَّا لِمَنْ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلَبَطَلَ حُكْمُهُ الْآنَ لِانْقِرَاضِ مَنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ وَسَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بالكفارة عن ظهارهما ولم يسلهما عَنْ ظِهَارِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ لَسَأَلَهُمَا فَإِنْ قِيلَ: فَمَا سَأَلَهُمَا عَنِ الْعَوْدِ فَلَوْ كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ لَسَأَلَ قِيلَ: الْعَوْدُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّلَاقِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمَا لَمْ يُطَلِّقَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ عَوْدُهُمَا. لِأَنَّ الظِّهَارَ وَالْإِيلَاءَ كَانَا طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُقِلَا فِي الشَّرْعِ إِلَى مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْإِيلَاءِ تَجِبُ بِشَرْطَيْنِ الْيَمِينُ وَالْوَطْءُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ فِي الظِّهَارِ بِشَرْطَيْنِ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ: فَهُوَ أَنْ لَيْسَ فِي تَكْرَارِ ظِهَارِهِ دليلاً عَلَى تَقَدُّمِهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قوله {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} فَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الزُّورِ مِنْ شُرُوطِ التَّحْرِيمِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطَيْنِ الظِّهَارُ والعود.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute