لَيْسَ فِيهِمَا مَسِيسٌ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُدُولُ إِلَى مَا أَمْكَنَهُ وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُمَا مَعًا، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي شَهْرَيْ صِيَامِ الظِّهَارِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَالْوَطْءِ عَمْدًا بِالنَّهَارِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمُ وَطْءٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَاسْتَوَى حُكْمُهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَالِاعْتِكَافِ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَلَا فِيهِمَا مَسِيسٌ وَهُوَ لَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ وَطْئِهِ فَكَانَ الْبِنَاءُ أَقْرَبَ إِلَى الظَّاهِرِ مِنَ الِاسْتِئْنَافِ، لِأَنَّ صَوْمَ شَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ أَقْرَبُ إِلَى الْوَاجِبِ مِنْ صَوْمِ شَهْرَيْنِ هُمَا جَمِيعًا بَعْدَ الْمَسِيسِ، فَكَانَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِهَا مِنْ هَذَا الوجه لا من جهة النصفيتوجه احْتِجَاجُ الْكَرْخِيِّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الصَّوْمُ فَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ التَّتَابُعُ كَوَطْءِ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَكَالْوَطْءِ فِي لَيْلِ صِيَامِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. فَإِنْ قِيلَ فَوَطْءُ الْمُظَاهِرِ مُحَرَّمٌ لَيْلًا وَنَهَارًا فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ التَّتَابُعُ بِاللَّيْلِ كَمَا يَبْطُلُ بِهِ فِي النَّهَارِ كَتَحْرِيمِهِ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَطْءُ فِي لَيْلِ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَا وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فَكَانَ التَّحْرِيمُ عِلَّةً فِي إِبْطَالِ التَّتَابُعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ: قِيلَ: مَا لَمْ يَبْطُلِ التَّتَابُعُ بِمُبَاحِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِمَحْظُورِهِ كَالزِّنَا وَمَا أُبْطِلَ التَّتَابُعُ بِمَحْظُورِهِ بَطَلَ بِمُبَاحِهِ كَالْأَكْلِ فِي نَهَارِ الصَّوْمِ لِشِدَّةِ الْمَجَاعَةِ خَوْفًا مِنَ التَّلَفِ يُبْطِلُ صَوْمَهُ وَتَتَابُعَهُ، وَإِنْ فَعَلَ مُبَاحًا كَمَا لَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَفِعْلِ مَحْظُورٍ وَإِذَا بَطَلَ تَعْلِيلُهُ بِالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَانَ تعليل التتابع بصحة الصوم وفساده أول فَصَحَّ الْقِيَاسُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْلَيْنِ.
وَقِيَاسٌ ثَانٍ: هُوَ أَنَّهُ وَطْءٌ فِي أَثْنَاءِ تَكْفِيرٍ فَجَازَ أَنْ لَا يَبْطُلَ بِهِ التَّكْفِيرُ كَالْإِطْعَامِ.
وَقِيَاسٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمَا يُضَادُّ الصَّوْمَ إِذَا وَقَعَ لَيْلًا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ كَالْأَكْلِ.
وَاسْتِدْلَالٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أن هذا الصوم مشروط بشرطين التَّتَابُعِ وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَالتَّتَابُعُ صِفَةٌ فِي الْمُؤَدَّى وَقَبْلَ الْمَسِيسِ صِفَةٌ فِي الْأَدَاءِ كَالصَّلَاةِ عُلِّقَتْ بِشَرْطَيْنِ الْوَقْتُ وَالتَّرْتِيبُ وَإِنْ ثَبَتَ الْفِعْلُ ثُمَّ كَانَ عَدَمُ الْوَقْتِ أَوْ بَعْضِهِ لَا يَسْقُطُ حُكْمُ التَّرْتِيبِ كَذَا الصَّوْمُ هَاهُنَا.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ مِنَ الْآيَةِ بِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَهُوَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الْوَطْءُ وَهُوَ فَاسِدٌ حَرَامٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ مِنْهَا بِأَنَّهُ يَقَدِرُ عَلَى صَوْمِ شَهْرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَسِيسٌ فَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي الْبِنَاءِ يَأْتِي بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ وَبِالثَّانِي قَضَاءً بعد المعصية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute