للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى أنه مجتمع مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. وَأَمَّا " هَذَا " فَهِيَ كَلِمَةُ إِشَارَةٍ تَجْمَعُ حَرْفًا وَاسْمًا، فَالْحَرْفُ الْهَاءُ الْمَوْضُوعَةُ لِلتَّنْبِيهِ، وَالِاسْمُ ذَا وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَسُنَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا، فَنَقُولُ: هَذَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ اخْتَصَرَ كِتَابَهُ وَهَلَّا بَسَطَهُ فَإِنَّ الْمَبْسُوطَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِفْهَامِ، وَأَغْنَى عَنِ الشَّرْحِ.

قِيلَ: إِنَّمَا اخْتَصَرَهُ لِأَنَّ الْمُخْتَصَرَ أَقْرَبُ إِلَى الْحِفْظِ، وَأَبْسَطُ لِلْقَارِئِ، وَأَحْسَنُ مَوْقِعًا في النفوس، ولذلك تداول إِعْجَازَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حيوة} [البقرة: ١٧٩] لِاخْتِصَارِ لَفْظِهِ وَإِجْمَاعِ مَعَانِيهِ وَعَجِبُوا مِنْ وَجِيزِ قَوْله تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤] . وَمِنَ اخْتِصَارِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود: ٤٤] . وَقَالُوا: إِنَّهَا أخصر آية في كتاب الله تعالى. واستسحنوا اخْتِصَارَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف: ٧١] كَيْفَ جَمَعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ وَجَمِيعِ الْمَلْبُوسَاتِ. وَلِفَضْلِ الِاخْتِصَارِ عَلَى الْإِطَالَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَاخْتُصِرَتْ لِيَ الْحِكْمَةُ اخْتِصَارًا ". وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: خَيْرُ الْكَلَامِ مَا قَلَّ وَدَلَّ وَلَمْ يَطُلْ فَيَمَلَّ. غير أن للإطالة موضعا يحمد فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْتَصَرًا بِهِ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ فِي بَعْضِ خُطَبَاءِ إِيَادٍ:

(يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيَ الْمُلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ)

غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِصَارَ فِيمَا وَضَعَهُ الْمُزَنِيُّ أَحْمَدُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: مُخْتَصَرُ الْكِتَابِ لِيُحْفَظَ وَيُبْسَطُ لِيُفْهَمَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ شَرَطَ اخْتِصَارَ كِتَابِهِ، وَقَدْ أَطَالَ كَثِيرًا مِنْهُ، فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شَرَطَ اخْتِصَارَ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدِ اخْتَصَرَهُ وَإِنَّمَا أَطَالَ كَلَامَ نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ وَالْأَغْلَبُ منه مختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>