للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيَاسٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الصِّفَةَ إِذَا اشْتُرِطَتْ فِي عَدَدٍ وَلَمْ يَجُزِ الْإِخْلَالُ بِالصِّفَةِ لَمْ يَجُزِ الْإِخْلَالُ بِالْعَدَدِ كَالشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَالَةُ الشُّهُودِ وَالْعَدَدُ، كَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَدٌ وَمَسْكَنَةٌ.

وَقِيَاسٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ صَرْفُهُ فِي عَدَدٍ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ كَالْوَصِيَّةِ لِعَشْرَةٍ مِنَ الْمَسَاكِينِ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ بِهَا عَلَى أَحَدِ الْمَسَاكِينِ.

وَمِنَ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ فِي الْآيَةِ شَيْئَيْنِ عَدَدٌ وَطَعَامٌ وَتَقْدِيرُ الطَّعَامِ مُسْتَفَادٌ بِالِاجْتِهَادِ لِاجْتِهَادِ النَّاسِ فِيهِ وَعَدَدُ الْمَسَاكِينِ مُسْتَفَادٌ بِالنَّصِّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ مَا اسْتُفِيدَ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ تَقْدِيرِ الطَّعَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ تَرْكُ مَا اسْتُفِيدَ بِالنَّصِّ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ.

وَاسْتِدْلَالٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي الْعَدَدِ الْمَأْمُورِ بِهِ سِتُّونَ فَنَحْنُ جَعَلْنَاهُ عَدَدَ السِّتِّينَ مِسْكِينًا وَهُوَ مَنْصُوصٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ جَعَلَهُ عَدَدَ السِّتِّينَ يَوْمًا وَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ، ثُمَّ لَوِ اسْتَوَيَا فِي الِاحْتِمَالِ كَانَ مَا قَالَهُ فَاسِدًا لِلِاعْتِلَالِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَعِنْدَنَا مَعَ فَقْدِ اعْتِلَالِهِ وَوُجُودِ عِلَّتِنَا. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ مِنَ الْآيَةِ بِانْطِلَاقِ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ أَخْذُهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ لَا زَوَالُ الْمَسْكَنَةِ اعْتِبَارًا بِالْيَوْمِ الْوَاحِدِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّهُ مِسْكِينٌ لَمْ يَسْتَوْفِ قُوتَ يَوْمِهِ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنْ نَقْلِبَ الْعِلَّةَ عَلَيْهِ فَنَقُولُ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ اسْتَوْفَى قُوتَ يَوْمِهِ مِنْ كَفَّارَةٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا ثَانِيَةً كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْعِلَّةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَقَلُّ أَوْصَافًا مِنْ تِلْكَ بِوَصْفٍ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَسْتَوْفِ قُوتَ يَوْمِهِ وَنَحْنُ قُلْنَا: اسْتَوْفَى قُوتَ يَوْمِهِ فَأَثْبَتُوا الْإِضَافَةَ الَّتِي أَسْقَطْنَاهَا وَهِيَ زِيَادَةُ وَصْفٍ وإذا تَعَارَضْتِ الْعِلَّتَانِ وَقَلَّتْ أَوْصَافُ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ أَوْلَى، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي أَصْلِ عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ قُوتَ يَوْمِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَفَّارَةِ سَدُّ سِتِّينَ جَوْعَةٍ فَهُوَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنْ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِأَنَّ الْمِسْكِينَ الْوَاحِدَ لَوْ أَخَذَ جَمِيعَهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَسَدَّ بِهَا جَوْعَتَهُ فِي سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَكَرَّرَ السَّدُّ الْوَاحِدُ جَازَ أَنْ يَتَكَرَّرَ الْمِسْكِينُ الْوَاحِدُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي تَكْرَارِ الْمُدِّ اسْتِيفَاءَ الْعَدَدِ فَجَازَ وَلَيْسَ فِي تَكْرَارِ الْمِسْكِينِ اسْتِيفَاءُ الْعَدَدِ فلم يجز.

<<  <  ج: ص:  >  >>