الزَّوْجَةِ قَالَ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ من الصادقين} .
فقوله: {والذين يرمون أزواجهم} يَعْنِي بِالزِّنَا، فَكَانَ ذَلِكَ مُضْمَرًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمُظْهَرُ.
وَقَوْلُهُ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أنفسهم} أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يَشْهَدُونَ لَهُمْ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ.
وَقَوْلُهُ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} أَيْ فَيَمِينُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ أَيْمَانٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا. فَعَبَّرَ عَنِ الْيَمِينِ بِالشَّهَادَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ شَهَادَةٌ مَحْضَةٌ اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّ الْعَدَدَ فِيهَا مُوَافِقٌ لِعَدَدِ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا، وَلِذَلِكَ مَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ لِعَانِ الْكَافِرِ وَالْمَمْلُوكِ، لِرَدِّ شَهَادَتِهِمَا، وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مَرْدُودَةٌ وَيَمِينَهُ لِنَفْسِهِ مَقْبُولَةٌ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُعَبِّرُ عَنِ الْيَمِينِ بِالشَّهَادَةِ. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ:
(فَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أُحِبُّهَا ... فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا)
أَيْ أَحَلِفُ بِاللَّهِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ كَانَ فِي قِصَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا فِي عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ، وَالثَّانِيَةُ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَمَّا قِصَّةُ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ فَقَدْ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزَّهْرِيِّ. وَرَوَاهَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزَّهْرِيِّ عَنْ سهل بن سعد: " أن عويمر أتى رسول الله فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآنًا، فَأَمَرَهُمَا بِالْمُلَاعَنَةِ فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: انْظُرُوا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، عَظِيمَ الإليتين خدلج الساقين، فلا أحسب عويمر إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أحيمر كأنه وحرة، فلا أحسب عويمر إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا. فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ، وَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أمه ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute